يبدو أن هناك توافقاً كبيراً على أن السبب الرئيسي في تأخر سن الزواج في الكويت هو الوضع المالي وارتفاع تكاليف الزواج حسب وجهات نظر الكويتيين أنفسهم، ففي دراستنا السابقة التي نفذها مركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي والإحصاء لمصلحة وزارة العدل الكويتية حول مشاكل الزواج وأثرها على المجتمع الكويتي، سردنا أمام المستجيبين - ممن لم يسبق لهم الزواج- العديد من الأسباب التي يرون أنها تقف خلف تأخر الارتباط بشريك العمر مثل "غلاء المهور، ورغبة إكمال الدراسة للشباب والفتاة، والحصول على وظيفة، فضلاً عن الأسباب المادية، واللامسوؤلية عند الشباب، وعدم وجود شريك حياة مناسب، ورفض الأهل، وسهولة وجود العلاقات بين الجنسين... وغيرها من العوامل، وبعد أن سُمح للمستجيب باختيار أكثر من إجابة، تم تصنيف الإجابات حسب عوامل عديدة هي (المادية – الشخصية – الأسرية – الاجتماعية)، فتبين أن العوامل المادية، التي شملت "الحصول على وظيفة لتوفير متطلبات الزواج، وتكاليف المعيشة، وغلاء المهور" تأتي في المرتبة الأولى بنسبة (50%)، ثم جاءت العوامل الشخصية في المرتبة الثانية بنسبة (33%)، ثم العوامل الاجتماعية في المرتبة الثالثة بنسبة (27%)، وأخيراً أتت العوامل الأسرية رابعة بنسبة (23%).

Ad

 من اللافت للنظر في النتائج أن العوامل المادية بمختلف مظاهرها تتصدر أسباب تأخر سن الزواج لدى كل من الإناث والذكور بفئاتهم العمرية ومستوياتهم التعليمية المختلفة، وبرغم قناعة الإناث أنفسهن بهذا السبب، فإننا حينما سألنا عن المهر المناسب للزواج من وجهة نظر الشباب والشابات، بلغ المتوسط الحسابي لإجابة الإناث ما يقرب من 11 ألف دينار، وهو ما يزيد على 35 ألف دولار! كما أن الإناث يرون بتأخير سن الزواج لدى كل طرف أكثر مما يراه الذكور، حيث بلغ المتوسط الحسابي لعمر الزواج المناسب من وجهة نظرهن 27 عاماً للشاب، و24 عاماً للفتاة على التوالي، في مقابل رؤية الشباب أن العمر المناسب هو 25 للذكور و21 للإناث.

قد نتفهم أن يكون السبب المادي والمستوى المعيشي هو العائق للعزوف عن الزواج في المجتمعات الفقيرة، ولكن من المؤسف أن يكون هذا هو السبب ذاته في مجتمعات ذات دخل عال ووفرة مالية، وتنطلق منها موارد جهات خيرية عابرة للقارات، لاسيما أن هذه النتيجة تعززها دراسات سابقة في المنطقة، وكان آخرها الدراسة التي صدرت عن جامعة الملك عبدالعزيز بالمملكة العربية السعودية، ونشرتها صحيفة "الاقتصادية" (العدد 8142 - بتاريخ 26 يناير 2016)، حيث أفادت نسبة (64%) من الشباب السعودي بأن السبب الرئيسي للعزوف عن الزواج هو ارتفاع التكاليف! وفي قطر أطلقت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله آل ثاني للخدمات الإنسانية "راف" حملة لتخفيض المهور واستعانت فيها ببعض الدعاة حتى لتقديم محاضرات في المولات وغيرها وتذكير الناس بالحديث الشريف "أقلهن مهوراً، أكثرهن بركة" ومن خلال هاشتاق (#أيسر_ وأبرك)، ومقابل هذا البطر، والمبالغة في تكاليف الزواج في ديارنا، تذكرت زميلنا الذي ابتعث للدكتوراه في جامعة ديلاوير، وهو يتحدث باستغراب عن تكاليف زواجه المحدودة من زوجته الأميركية.

لم يعد مبرراً أن تستمر هذه الحقيقة المرة بأن يكون ارتفاع تكاليف الزواج هو الذي يترك شبابنا وبناتنا دون زواج لعمر يتجاوز الثلاثين عاماً فأكثر! فالكل مسؤول عن ذلك بدءاً من ثقافة وعادات المجتمع التي تعقّد متطلبات الزواج بالتفاخر والمباهاة، ومروراً بالجهات الإعلامية، وجمعيات الزواج، وسياسات وأنظمة الحكومات، وأولياء الأمور؛ وانتهاءً بالشباب والفتيات أنفسهم!

* مدير مركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي/ الكويت

 أستاذ زائر بجامعة ديلاوير الأميركية/ سابقاً