يبدأ الديوان بقصائد في الحبّ، كما لو أنّ الأمر يتعلّق بمقدمة غزلية لمعلّقة معاصرة. وحتى الحبّ، «ملهاة القلوب»، سرعان ما يصبح «ضرباً من المستحيل». لذلك صار القلب شائكاً والسرير داعراً، أمّا لغة العشاق فأفسدَتْها الـ «لايكات». وسرعان ما يتداخل الحبّ بالحرب في قصيدة مستعِرَة عرفت كيف تتحوّل إلى نشيد، في زمن الصقيع العربي، حيث القتل مستتبٌّ والدّم إلى الرُّكب، لترفرف «بسمتُكِ» في خيال الشاعر فتبدوَ أحلى من علَمٍ وطنيٍّ مهزوم.

Ad

منفى وترقّب

في ديوان طه عدنان الجديد «بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني»، ثمة قضايا من الصنف الذي اعتاد الشعر الملتزم مقاربتها في عقود خلت، في زمن سابق على قصيدة النثر، لكن بروح  تخفف من منسوب اليقين هذه المرة، وبنبرة لا تبشير فيها. وَصْفة تتمازج داخلها عناصر قصيدة النثر بروح الشاعر الذي لا يريد الخلود إلى السباحة الحرّة في بحر الصور الذهنية أو الحسية المتلاطمة، بقدر ما يفضّل الوقوف في وجه العاصفة: العاصفة التي تضرب الآن، وهنا.. هذا الهنا الفسيح الممتدّ ما بين عالم عربي مفكّك الأوصال ومهجر اتّخذه الشاعر منفى اختيارياً له، ومنه طفِقَ يرقب التحوّلات. اشتباكٌ شعريٌّ مع قضايا الإرهاب والتطرّف ومآسي الهجرة واللجوء. مواضيع ساخنة تحضر في قصائد معاصرة واعية سياسياً لا ينطلي عليها خطاب الدعاية الإعلامية الفجّ. وسعيٌ إلى ربط الألم الذاتي بالألم الجمعي في محكيٍّ شعري لا يتورّط في النبرة العالية والمباشَرة السطحية، مستلهماً الإشارات التاريخية والتراثية ومستدعياً دلالتها الصريحة والمُضمرة بسلالة ووضوح وبرؤية حداثية ناضجة.

«بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني} محاولةٌ لقرع جدران الخزّان. خزّان العصر الذي يمور كَمِرْجَل. والشاعر يتقدّم وسطه عارياً إلا من هشاشته، ومن قدرته على الاعتراف عبر الشعر بأنّ الباب ما زال مفتوحاً، لكن لا أحد يحاول الخروج إلى حيثُ الموتُ والتيه يتبادلان الأدوار.

في بروكسل، حيث يقيم منذ عقدين، يستعيد طه عدنان تجذُّره في أرض القصيدة. إنها قصيدةُ مكان. ملاذُه البلجيكي يحضر في الديوان باعتباره فضاء عيش واستعارة متجدّدة. من مولنبك إلى لاكَار سانترال، ومن ميدان لابورس إلى مسرح البوزار. حركة الشاعر في المدينة - بوعيٍّ نقديّ واضح - تشكّل أحد العناصر الشعرية الأساسية في هذا الديوان.

البورصة

قلبُ المدينة الحجريّ

كشكٌ يبيع يانصيب الخسارة للحشود

كازينو الإفلاس المعَوْلَم.

«بسمتُكِ أحلى من العلم الوطني} مجموعة شعرية جاءت، بعد ديوان {أكره الحبّ} (2009) الصادر عن دار النهضة العربية، لتؤكّد ما كتبته الشاعرة الرّاحلة صباح زوين في جريدة السفير عن أن {طه عدنان يعمل على اقتطاف كلماته من مشاهدات حية وواقعية يصادفها في المدينة، في الشارع، أو في أحد معالم الحضارة المعاصرة، فيمزجها مع حالات اجتماعية أو عاطفية ذاتية أو وجودية بشكل خاص، وهذه في معناها الراهن، المعنى الذي يحاول الشاعر أن يمنحه لذاته هو التائه في خضم كل هذه الأدوات الحياتية ما بعد الحداثية».

نبذة

طه عدنان، شاعر وكاتب مغربي من مواليد 1970، نشأ في مراكش ويقيم في بروكسل منذ 1996. يعمل في الإدارة العامة للتعليم بفيدرالية والونيا-بروكسل.

ساهم في إطلاق نشرة {الغارة الشعرية} في مراكش سنة 1994، وأشرف منذ 2005 على إدارة الصالون الأدبي العربي في بروكسل، وعلى تنسيق مهرجان {غزل} لشعر العشق العربي - بلجيكا منذ 2008. عضو اتحاد كتّاب المغرب وائتلاف شعراء بروكسل.

صدرت ترجمة ديوانه {وليَ فيها عناكبُ أخرى} (وزارة الثقافة، الرباط 2003) إلى الفرنسية (دار نشر شجرة الكلام - لييج 2006)، وترجمة ديوان {أكره الحب} (دار النهضة العربية، بيروت 2009) إلى الفرنسية عن منشورات الفنك بالدار البيضاء في فبراير 2010 وإلى الإسبانية في أبريل من السنة نفسها في كوستاريكا.

صدر نصه المسرحي {باي باي جيلو} بالعربية والفرنسية (دار نشر إليزاد- تونس 2013) فيما صدرت ترجمته إلى الإنكليزية (2012) والإيطالية (2014). أشرف على إصدار مؤلّف جماعي بالفرنسية تحت عنوان {بروكسل المغربية} (منشورات الفنك بالدار البيضاء 2015).

موبايلُكِ مقطوعٌ

وَهاتفُكِ الأرضيُّ يرِنُّ

يرِنُّ وَلا يُجيبْ

على الفيسبوك

ألوانُ الوطنِ تحجُبُ

بسمَتَكِ

 

بسمَتَكِ الأحلى

مِنَ الرّبيع

مِنْ كلِّ الفصولْ

 

بسمَتُكِ

أبهى من الجماهير

حين تصولْ

أزهى من الشّعب

حين يثورُ

وَحين يُغنّي بلادي.