كيف تنظر إلى تكريمك في افتتاح متحف النيل؟

Ad

التكريم بمثابة تقدير لتجربتي خلال العقدين الماضيين، ولكل الفنانين المكرمين، والأهم افتتاح هذا المتحف كمركز إبداعي وثقافي في أسوان، وتوثيقه لعطاء فني له خصوصيته، ويمثل إضافة إلى الصروح الأخرى المنتشرة في أرجاء مصر، والتي تنهض بدور كبير في نشر الثقافة التشكيلية، ومد الجسور مع محبي الفنون الجميلة.  

ما دلالة اختيارك {طمي النيل} عنوانا لمعرضك الأخير؟  

ثمة دلالات عدة، تنطلق من {طمي النيل} وتاريخ ينهض على ضفاف النهر، ويشكل ملامح الحياة في فضاء حضاري، وعندما نقول النوبة نتذكر قصة {إيزيس وأوزوريس} وإبداعات الأسلاف في معابد فيلة والكرنك وأبو سنبل، فالطمي يرمز إلى مصر، والنيل هو الإنسان، وتلك الخصائص انطبعت في لوحاتي الأولى وحتى معرضي الأخير.

لماذا يغلب الطابع التأثيري على لوحاتك؟

دعني أقول إن التأثيرية شكلت تجربتي في السابعة من عمري، ومنذ شاركت برسوماتي في معارض جماعية بأسوان، وأشاد بها فنانون كبار مثل الراحل صلاح طاهر وعز الدين نجيب، ورغم دراستي الأكاديمية، ظلت هذه المدرسة الفنية الأقرب إلى وجداني، بل حفزتني إلى المغامرة والتجريب في فضائها، وجسدت قناعاتي بأهمية التواصل بين اللوحة والمتلقي سواء كان عربياً أو أجنبيا. من هنا، ارتحلت بلوحاتي من ضفاف النيل إلى إسبانيا وفرنسا وغيرهما، وتفاعل معها الجمهور هناك إلى حد كبير.

هل يمثل {طمي النيل} أفقاً مغايراً للتأثيرية عن أعمالك السابقة؟

بالطبع اتسمت أعمالي الأولى بانطباعية فطرية، ولم أصل إلى هذه المرحلة التأثيرية إلا من خلال تجارب كثيرة، وتاريخ متواصل من المعارض منذ عام 1979، والمشاركة في بينالي تلو آخر، وسفر إلى الخارج، وتراكم لدي مخزون من التجارب. أعتبر أن تلك المدرسة تمردت على الأطر الكلاسيكية، وأتاحت للفنان التعبير بطاقته الشعورية، وجسدت ذلك في {طمي النيل} فاللون الأبيض هو البطل، وحضور الظل والنور والشمس الساطعة، وفكرة المعرض مأخوذة أصلاً من روح القناعة والنقاء.  

بم تفسر هذا التنوع بين الرمزية المباشرة والصوفية الشفيفة؟  

عندما نتحدث عن لوحة من اللوحات، سنرى ملمحاً صوفياً في اللون الأبيض للرداء الشعبي لدى أهل النوبة، وحركة جموع طالعة في اللون الأحمر، ورمزية نقاء القلوب المحلقة في اللانهائي، وخلفية المنازل الموحية بعبق التاريخ، وارتباط مفردات الإنسان النوبي بحياة أسلافه، وثمة تماثل بين الأثاث الفرعوني الذي نراه في المتحف المصري، وبين نظيره في المنازل النوبية الحالية.

فنون ومعطيات

ما هي أبرز الفنون التراثية في النوبة؟

ثمة الطبق النوبي بفلسفته الموحية بالدأب، والمغزول من سعف النخيل، وتزينه النساء بساق القمح الذهبي {البروجي} والملابس والأكسسوارات من عقود وحلي، كذلك العمارة النوبية من أرقى أنواع العمارة في العالم، ومستوحاة من المعبد بتدرج إضاءته المتوهجة إلى أن تخبو في قدس الأقداس، وكلها فنون تراثية، يجب الحفاظ عليها من الاندثار.

كيف تنظر كفنان إلى معطيات اللحظة الراهنة؟

دعني أقول إن اللحظة الراهنة تشتبك بتراكم حوادث تاريخية، وتغيرات اجتماعية وسياسية، ومن خلال معارضي أؤكد على الروح المصرية والانتماء العربي، وعند حضور هذا التلاحم يكون تراثنا بخير، ونصبح قادرين على مجابهة الصعوبات. من هنا، يأتي دور الفنون المرئية الصادقة، والتي تخرج من القلب إلى القلب، ومن العين إلى العين، وتؤثر في المتلقي، وتشكل وعيه وذائقته الفنية، وتحفزه إلى قراءة موضوعية لما يدور حوله، كذلك لإشراقات تاريخه وحضارته، ويعود لصهرها مجدداً في الذهب.

ما أبرز خصائص البيئة النوبية في لوحاتك؟

ثمة وحدة زخرفية موجودة على كل بيت في النوبة، جاؤوا بها من المعابد. أنظر إلى عبقرية البنت النوبية الصغيرة، عندما ترسم بأسلوبها زخارف ورسومات المعابد، وتستخدم ألوان {الجبا} الأزرق من الزهرة، والأصفر والأحمر من الحديد الموجود في أسوان، والأبيض من طيور النورس المهاجرة في الشتاء.

ثمة منظومة حياتية كاملة حفزتني كابن لهذا المكان أن أشكل لوحاتي كحبات العقد {السوار} وأقول من خلالها هيا {نلضم} أسامينا وتراثنا وفنونا وقلوبنا العامرة بالحب والأمل.

كيف تنظر إلى مدارس فنية أخرى كالسوريالية والتجريدية؟

يمنح تنوع المدارس الفنية المتلقي حرية الذائقة والتفاعل، ولا توجد مدرسة تقصي الأخرى. وإذا نظرنا إلى تاريخ الفنون، نجد أن ظهور مدرسة بعينها أو تيار فني، يرتبط باللحظة التاريخية التي أفرزتها، ورغبة الفنان في التمرد وفتح آفاق للتعبير غير مسبوقة، والتعبير عن عالمه الخاص ورؤيته لما يدور حوله، مثل ظهور التأثيرية في نهايات القرن التاسع عشر، وروادها الذين تمردوا على الكلاسيكية، مثل فان غوغ وغوغان وسيزان، وامتدادها في أعمال فنانين معاصرين.