كما يليق بهدوء الأدباء ونبلهم رحل الأديب الكبير علاء الديب، بعد أزمة صحية ألزمته سرير المرض في أحد مستشفيات القاهرة. ينتمي الراحل إلى جيل الستينيات في الأدب العربي المعاصر، ذلك الجيل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، حيث جمال الغيطاني وأصلان وخيري شلبي ومحمد البساطي وبهاء طاهر وصنع الله إبراهيم، وغيرهم. لكن ظلَّ لصوت الديب وحده البريق والرونق والمذاق الخاص. وهو عاش الإبداع حتى الثمالة، فمن شرفته الصغيرة {عصير الكتب} في مجلة {صباح الخير} أطلَّ على عالم ثقافة واسع لم يسع أبداً إلى أضوائه، بل كانت العيون كلها ترنو إلى شرفته في انتظار خلاصة أفكاره وقراءاته ووجوه إبداعية جديدة أصبح لها في ما بعد باع واسع في دنيا الإبداع والكتابة. هو أول من قدَّم الأديب علاء الأسواني الذي يحتل الآن مكانة مرموقة في الأدب العربي والعالمي، وأعاد قراءة إبداع إبراهيم أصلان على ضوء التحليل الموسيقي، حيث شبه نهايات الجملة لدى أصلان بنهايات الجملة الموسيقية حيث تعتصر معاني اللحن الموسيقي كله. كذلك قدَّم الشاعر  أحمد بخيت، وغيره  من أصوات لامعة اليوم.

Ad

لذا سيطر الشعور بالفجيعة على  المثقفين لحظة رحيله ورثوه بالدموع قبل الكلمات.

نعى وزير الثقافة المصري حلمي النمنم الروائي الكبير علاء الديب قائلاً: «وفاته خسارة لا تعوّض، فهو أحد أهم الأدباء المصريين والكتاب الصحافيين»، مشدداً على أن ما تركه الديب من أعمال روائية وصحافية نموذج في الكتابة الرائعة لأديب ترك تراثاً صنعه على مدار أربعة عقود لتتعلم منه الأجيال». وقدَّم خالص التعازي لأسرة الكاتب الراحل، داعياً له بالرحمة.

«ورشة الزيتون الأدبية»، الكيان الثقافي المستقل، والتابع لحزب «التجمع» اليساري، نعت الروائي في بيان تقدمت فيه بخالص العزاء لمحبي الراحل في أركان عالمنا العربي، مشيرةً إلى مكانة كبيرة وعميقة ومتميزة كان وسيظل يشغلها علاء الديب في الأدب والثقافة العربية، منذ أن بدأ الكتابة في مجلة «صباح الخير» وكانت تحقيقاته الصحافية ذات مذاق خاص، تحقيقات أسلمته للفن القصصي والروائي فراح يكتب قصصاً لاقت ترحيباً شديداً في الأوساط الثقافية، حسبما أكد البيان.

من جانبه، أبدى الناقد والشاعر شعبان يوسف حزنه الشديد على رحيل الديب الذي وصفه بـ «أحد أهم المثقفين والأدباء المصريين»، مشيراً إلى أنه شعر بألم شديد بعدما علم بخبر وفاة الروائي الذي عانى أخيراً ألم المرض اللعين، داعياً الله أن يرحمه ويرحمنا لهذا الفراق الأليم والفاجع بقسوة، ومشدداً على أنه كان يرتبط مع الراحل بعلاقة صداقة وطيدة.

قال يوسف: «لم يكن علاء الديب يلهث وراء الخبر بشكل تقليدي كأي صحافي بل ظهرت في كتاباته روح الأديب الكبير، فقد كان يرسم الحالة التي يريد أن يتحدث عنها قبل أن يحكي الحكاية. ولم يقتصر دوره على كتاباته الإبداعية، بل كانت تحقيقاته ومقالاته وبورتريهاته الصحافية على مدى 40 عاماً تجذب قارئاً عاماً ارتبط بها ارتباطاً وثيقاً».

من ناحيته، قال رئيس تحرير جريدة «القاهرة» الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية الصحافي والشاعر سيد محمود: «لا أجد كلمات أرثي بها علاء الديب، فهذا الرجل يمكن اختصاره في عبارة وحيدة  «كان رحباً كحكاية لا نهاية لها، ومطمئناً كأنه نهر، وراسخاً كجبل، وقلقاً كبركان، وواضحاً كأنه الإيمان»، مشيراً إلى أنه كان شخصاً ناصعاً سعينا إليه ولم يسع إلى أحد، ورحل عن دنيانا وترك شخصياته الروائية التي صاغها بأدبه وقلمه تعيش معنا إلى الأبد.

من جانبه، قال الروائي والقاص شريف عبدالمجيد: «رحم الله علاء الديب، أحد صانعي ضمير مصر الأدبي»، مشيراً إلى أنه تشرّف بالتسجيل معه في أحد الأفلام التسجيلية عن فن الغرافيتي»، ولافتاً إلى أنه فوجئ بأن الراحل الكبير كان مولعاً ومهتماً بكثير من الفنون، خصوصاً «الغرافيتي»، لا سيما أنه كان يملك مواهب عدة، وكان كثير القراءة والاطلاع.

أوضح عبدالمجيد أن الديب تأثر كثيراً بالثقافة النوبية، وكتب أكثر من فيلم تسجيلي عن حضارتها، بالإضافة إلى كتابته سيناريو الفيلم الأهم في تاريخ السينما المصرية «المومياء»، علماً أن شادي عبدالسلام مخرج الفيلم ومؤلفه كان كتب الحوار باللغة الإنكليزية، ليكتبه في ما بعد الديب بالفصحى. وأشار إلى أن الراحل كان كاتباً وقارئاً موسوعياً صاحب علاقات واسعة بمجالات الثقافة المختلفة مع الأدب مثل الموسيقى والفن التشكيلي والسينما.

أما المترجمة هناء نصير فاعتبرت علاء الديب نموذجاً لكاتب يملك قيمة الكبرياء وغير متهافت ومتواضع في الوقت نفسه، مشيرة إلى أنه كان أشبه بفكرة قريبة من «اليوتوبيا». لم يكن يهوى الثرثرة أو التزيد، فأعماله قليلة محكمة، مشددة على أنها كانت تشعر بالسعادة الغامرة عندما كانت تتواصل معه فقد كان بالنسبة إليها وإلى كثير من الأدباء الأب والأستاذ والمعلم وبرحيله تشعر بمرارة الفقد.