تبدو العاصمة كيغالي نظيفة، وفيها طرقات معاصرة وإضاءة كافية ومراكز تسوق، أي أنها تشمل المظاهر كافة التي ترضي الغرب. كذلك تحسّنت معايير كثيرة في حياة الناس في رواندا، بدءاً من تراجع معدل الوفيات وصولاً إلى توسّع الاقتصاد وتحسّن التأمين الصحي الوطني.لكن يروي الكاتب أنجان سوندارام قصة مختلفة: إنها قصة قاسية ومؤلمة ويُفترض أن تشجّع المجتمع الدولي على مراقبة الانتخابات في رواندا. تدرّب سوندارام في الأصل كعالِم رياضيات ثم عاد ونشر كتابStringer: A Reporter’s Journey Into Congo (مهمّة صحفية: رحلة مراسل إلى الكونغو) في عام 2014. يروي في أحدث كتاب له،Bad News:Last Journalists in a Dictatorship (نبأ سيئ: آخر صحافيين في نظام دكتاتوري)، مسار سنوات أمضاها كمعلّم في برنامج من تمويل جهات دولية لتدريب الصحافيين الشباب في ديمقراطية ناشئة.كان يتعامل مع طلاب شباب متحمّسين وصحافيين أرادوا أن يستحقوا المكانة التي يحملونها في مهنتهم. حين بدأوا مهامهم الجدية لمراقبة وضع بلدهم، أصبحوا تحت المجهر. روح المراسل غيبسون مثلاً مكسورة، فهو شاب نزيه وموهوب وعنيد، اشترى كنبة كرمز للسلام الداخلي الذي يسعى إليه لكنه اضطر إلى بيعها في النهاية لدفع ثمن هروبه إلى أوغندا.أرغمت صحيفة كانت تهاجم السلطات على إغلاق أبوابها. بدأ سوندارام يغيّر أسلوبه، فانضم إلى فريق من مراسلين يتملقون الرئيس وينشرون مقالات تهنّئه على عمله. غادر الطلاب البرنامج واحداً تلو الآخر. تقرّب الكاتب من زوار أجانب بحثاً عن المساعدة، لكنهم سخروا منه وأخبروه بأنهم سمعوا عن أعمال القمع لكن لا بد من مرور الوقت كي يتحسّن الوضع.بدوره، تلقى الرئيس بول كاغامي ترحيباً من كل من بيل وميليندا غيتس والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وقادة عالميين آخرين. عاش في طفولته صدمة قوية حين كان لاجئاً في أوغندا وحين قُتل شعبه المنتمي إلى قبيلة التوتسي بأعداد هائلة في رواندا لدرجة أن أعمال العنف هناك اعتُبرت إبادة جماعية.كاغامي الرجل الدقيق والمتعلّم والذكي، حوّل عهده الرئاسي الواعد إلى فخ يجذب عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يكسبون النفوذ، لا سيما إذا كانت بلدانهم فقيرة ومدمّرة.فوضى وقلقتنشأ رواسب من الفوضى والقلق حين تخرج البلدان من صدمات مماثلة، ويتعامل قادة كثيرون مع هذا الوضع عبر استعمال أسلوب الهيمنة للحفاظ على هدوئهم، لكن تؤدي هذه المقاربة إلى تعزيز الاضطرابات. يُعتبر الاعتراض، أو حتى أبسط انتقاد، مصدر تهديد. بهذه الطريقة، يحدّد الحكام الدكتاتوريون مصير بلدانهم. حين يبدأون بتضييق الخناق على الناس، يعودون ويشددون أسلوب القمع أمام أولى مظاهر المقاومة، ما يجعل الشعب المطيع يصاب بجنون الارتياب ويصبح القادة نفسهم أكثر ارتياباً في الوقت نفسه إلى أن يسود جو من انعدام الثقة بين جميع الأطراف.يكشف كتابBad News:Last Journalists in a Dictatorship هذا السيناريو على مستوى شخصي، فيدرك القارئ نتيجةً لذلك إمكان استعمال الخوف لتقبّل أي مجتمع، وتحصل هذه العملية بسلاسة في البداية قبل أن تتخذ منحىً تحولياً خبيثاً في المرحلة اللاحقة.يُفترض أن ينتهي عهد الرئيس كاغامي في عام 2017، لكن من المتوقع أن تتغيّر مدة الولاية الرئاسية الراهنة.* ديانا نيلسون جونز
توابل
آخر صحافيين في نظام دكتاتوري يكشف حقيقة رواندا في عهد بول كاغامي
20-03-2016