يمكن تلخيص المشكلة بين الدولة في مصر من جهة، والألتراس من جهة أخرى، في أنه لم تعد هناك جسور ثقة بين الطرفين، فكل منهما ينظر للآخر نظرة ريب، ويشكك في نواياه، ولا يصدق ما يقوله، حتى تحول الأمر إلى عداء شديد لم يسع أي من الطرفين إلى محاولة حله، أو تحليل أسبابه، أو الخروج منه، وغاب الحوار تماما بين الطرفين.

Ad

وخيرا فعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بدعوته للحوار مع الألتراس، وإعلانه تفهم مطالبهم، وإدخالهم طرفا في المشكلة الكبرى بين الدولة والألتراس (مذبحة بورسعيد) لإعادة بناء جسور الثقة معهم، وإشراكهم في الاطلاع على التحقيق، وإشعارهم بأنهم شركاء في التحقيق بمذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها أصدقاؤهم.

ما فعله الرئيس هو دعوة للحوار، ودعوة لبناء جسور الثقة التي قطعت بين الدولة والألتراس، وما يجب على الدولة أن تفعله هو أن تستغل طاقات الشباب، بأن تفتح لهم بابا، فبعد أن دعا الرئيس للحوار، رد "ألتراس أهلاوي" بالترحيب بذلك، وأنها تمد يد التعاون سعيا لعودة الروح إلى المدرجات والاستقرار إلى البلاد، وأكدت أن حق القصاص مطلب أساسي لها.

مشكلة الألتراس مع الدولة، هي مشكلة الشباب مع الدولة، وهي عدم وجود جسور للثقة بين الطرفين، لكن لا يمكن هنا أن نطلب من الشباب أن يتخذوا هذه الخطوة، بل على الدولة أن تحتضن أبناءها، وأن تزيل المعوقات التي تحجزهم عنها، فهم طاقتها لبناء المستقبل.

ولعلي أذكر هنا أني تحدثت عن هذه القضية قبل 6 سنوات، (تحديدا يوم 16 يوليو 2010)، عقب أزمة كان الألتراس سببا فيها، وأدت إلى حدوث تلفيات واشتباكات في محيط النادي الأهلي، وقتها كانت ظاهرة الألتراس في بداية صعودها، وطالبت في مقالات ومقابلات بدراستها واحتوائها وتوظيفها، بما يفيد الوطن.

وقلت قبل 6 سنوات إن من المشاهد الجميلة التي بدأت تظهر في ملاعب كرة القدم، هو ذلك المشهد الذي بدأ يظهر في مدرجات الملاعب، خاصة بين جماهير النادي الأهلي عندما يتجمع عدة مئات أو عدة آلاف يتحركون معاً، ويشجعون معاً، مشكلين بالفعل رهبة لدى الفريق الذي يلعب أمام فريقهم، في كل المباريات حتى غير ذات الأهمية منها.

كنت أراقب هذه المجموعات، وكان يعجبني جداً ذلك التنظيم الواضح بينهم، وذلك التماسك والتناغم، وكذلك حماسهم الذي كان يفوق في معظم الأحيان حماس اللاعبين على أرض الملعب.

تظل الظاهرة عند هذا الحد إيجابية ومحببة، وتظل إحدى الدلائل المهمة على ارتفاع رغبة الجماهير في المشاركة والوجود بل التأثير، وهو الأمر الذي نتمنى أن يصل إلى حد مشاركة الناس في أمور حياتهم وتقرير مصيرهم من خلال المشاركة الإيجابية في شؤون الحياة، ولكن ما أثار حفيظتي هو ارتباط هذه المجموعات التي عرفت في ما بعد بأنها يطلق عليها "الألتراس"، ذلك السلوك المنسوب لهم بالسب والشتائم التي يوجهونها إلى اللاعبين المنافسين في الفرق الأخرى، بل وتوجه إليهم الاتهامات أيضا بأنهم يصلون في اعتداءاتهم إلى مستوى يتجاوز اللفظ إلى الاعتداء على لاعبي الفرق الأخرى وجماهيرهم وحرق حافلاتهم، والاعتداء على رجال الشرطة وإتلاف المدرجات، إذن هو مظهر جميل من الخارج لجمهور عاشق لفريق يشجع بحماس أكبر من حماس اللاعبين، ومنظم في المدرجات أكثر من تنظيم لاعبي فريقه في أرض الملعب، ولكن "الحلو ما يكملش".

هذا ما ذكرته قبل 6 سنوات، قبل أن تستفحل الظاهرة، لكن يبدو أن تركها من دون احتواء، ومن دون معالجة الأزمات التي تفاقمت وتزايدت بين الألتراس والأجهزة الأمنية جعلها تتزايد، وربما تكون تصريحات الرئيس بداية لحل الأزمة، وإعادة بناء جسور الثقة، وعلى الدولة أن تعرف أن هذا دورها، قبل أن يكون دور أي شخص آخر.