ربما تخفي الثقوب السوداء مجموعة أخرى من الأكوان. وربما أدت طبيعة الزمكان في الكون قديماً إلى نشوء ثقوب دودية قصيرة الأمد تربطنا بكون متعدد وشاسع.

قد تشرح هذه النظرية إذا ثبتت صحتّها طريقة نشوء الثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات بهذه الدرجة من القوة والسرعة.

Ad

تنجم الفكرة القائلة إن الكون الذي نعيش فيه هو واحد من أكوان كثيرة (أو ما يسميه علماء الكونيات {كوناً متعدداً}) عن نظرية التضخم الأبدي الأساسية لتفسير طريقة تطور الكون. وفق هذه النظرية، توسع الزمكان بشكل استثنائي في مراحله الأولى وتضاعف حجم كل جزء من الثانية قبل أن تستقر وتيرة نموها. طُرحت فكرة التضخم الأبدي خلال الثمانينيات لشرح ملاحظات مربكة عن كوننا لأن نظرية الانفجار العظيم النموذجية لا تدعمها.

سرعان ما أدرك علماء الكونيات أن الكون التضخمي يترافق مع بعض المحاذير. أما الآثار الميكانيكية الكمية التي تؤثر في العادة على أصغر الجزيئات حصراً، فقد أدت دوراً مهماً في طريقة تطور الزمكان كله.

تعلق أحد تلك الآثار بتحول رقعة صغيرة من الزمكان داخل الكون الأكبر حجماً إلى كيان كمّي مختلف وبنشوء فقاعة. قد تتشكل فقاعات مماثلة عشوائياً في أنحاء كوننا التضخمي.

يعني ذلك أن ثمة فقاعات قد تتابع التضخم وتنشئ أكوانها الصغيرة الخاصة رغم انتهاء التوسع السريع الذي يشهده كوننا. تنشئ كل فقاعة منها فقاعات أخرى وتنتج كوناً متعدداً ومتوسعاً.

يقول عالِم الكونيات أليكس فيلنكن من جامعة تافتس في ميدفورد، ماساتشوستس، وهو أحد الرواد في علم الكونيات التضخمي: {صحيح أن التضخم مستمر، لكن يمكن أن تظهر الفقاعات وتتوسع في هذا الفضاء التضخمي}.

لكن كان يصعب إيجاد إثبات على ذلك. اعتبر علماء الكونيات أن الفقاعات التي تصطدم بكوننا ربما تركت آثاراً في خلفية الموجات الصغرية الكونية، أي بقايا الأشعة المشتقة من الانفجار العظيم. لكن يبقى هذا المؤشر ضعيفاً جداً ولم تبرز أي أدلة جازمة بعد.

تساءل فيلنكن وزملاؤه عن قدرتهم على رصد مؤشرات تثبت وجود الكون المتعدد في أماكن أخرى من كوننا. للتحقيق بهذا الموضوع، قاموا بتحليل رياضي عن مصير الفقاعات التي تشكلت خلال مرحلة التضخم.

اكتشفوا أن الفقاعات التي تتشكل مع طاقة داخلية أضعف من الطاقة الكامنة في كوننا التضخمي ستبدأ بالتوسع حتماً: يكون ضغط الزمكان خارج الفقاعة أقوى مما هو عليه في داخلها، لذا تتجه جدران الفقاعة نحو الخارج.

لكن حين ينتهي التضخم في كوننا، يتلاشى الضغط وتبدأ الفقاعات بالانهيار مثل البالونات التي تفرّغ هواءها.

عالم داخلي

هكذا هو المشهد من الخارج من وجهة نظر فيلنكن، لكن لا يقتصر الوضع على ذلك بحسب رأيه. يتوقف مصير الفقاعات الحقيقي على حجمها.

ستكون الفقاعات التي تتشكل في مرحلة لاحقة أصغر حجماً ويفترض أن تسقط في ثقوب سوداء نموذجية من دون أن تشمل شيئاً في داخلها عدا نقطة كثيفة وغير محدودة تعكس تفرّدها. لكن تكون الفقاعات السابقة أكبر حجماً وتنشئ ثقوباً سوداء أوسع كي تخفي أكوانها التضخمية.

خلال أولى أجزاء الثانية التي تلي انتهاء التضخم في رقعة الزمكان الواقعة في كوننا، أي حين بدأت الفقاعات تنهار، كنا نتواصل مع عوالمها الداخلية عبر الثقوب الدودية. لكن تنغلق تلك الثقوب للأسف بشكل شبه فوري، فتفصل الأكوان التضخمية من الداخل. يقول جاومي غاريغا من جامعة برشلونة في إسبانيا: {لقد فوّتنا فرصة إرسال إشارات إلى تلك الأكوان الأخرى}.

حتى بعد انغلاق الثقوب الدودية، تتابع رقعة الزمكان في الثقوب السوداء التضخم.

كانت هذه النتيجة كفيلة بإبهار أندري ليندي من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، وهو رائد آخر في علم الكونيات التضخمي. يرتكز العمل على أفكار طُرحت للمرة الأولى منذ 30 سنة تقريباً. لكن أجرى فيلنكن وزملاؤه أبرز تحليل مفصّل عن مصير الفقاعات. يوضح ليندي: {يتماشى الوضع مع نظرية نسبية عامة وجميلة. تقدم النسبية العامة أفكاراً غير بديهية بأي شكل أحياناً}.

يقدم هذا التحليل طريقة جديدة للبحث عن إشارات الكون المتعدد التي تثبت ضرورة أن يوزع كوننا الثقوب السوداء بطريقة مميزة. كلما زادت كتلة الثقوب السوداء، يتعرض عدد إضافي منها لحد أدنى من الكتل ثم يُفترض أن يتراجع عددها بعد هذه المرحلة. يقول غاريغا: {تفصل تلك الكتل الثقوب السوداء العادية عن الثقوب السوداء التي تحتوي على كون متعدد تضخمي في داخلها}.

قد يساهم هذا التحليل في حل لغز قديم. تجد الفيزياء الفلكية النموذجية صعوبة في شرح ما جعل الثقوب السوداء الهائلة تصبح كبيرة بقدر ما هي عليه اليوم: هي لم تحصل على الوقت الكافي كي تمتص ما يكفي من المواد. لكن وفق النظرية الجديدة، تكون أبرز الثقوب السوداء التي تخفي كوناً في داخلها أكبر بكثير من الاحتمالات الممكنة. ربما تطورت هذه الكتل العملاقة كي تتحول إلى ثقوب سوداء هائلة كتلك التي نشاهدها اليوم في قلب المجرات، بما في ذلك درب التبانة.

قد ينعكس البحث أيضاً على {مفارقة فقدان المعلومات} المرتبطة بالثقب الأسود علماً أن علماء الفيزياء تجادلوا حول هذه الفكرة طوال عقود.

يدرس دون مارولف النسبية العامة والثقوب السوداء في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، وهو يقول إن علماء الفيزياء تساءلوا لفترة طويلة عن احتمال أن تخفي الثقوب السوداء ظواهر أكثر من تلك التي تكشفها على سطحها.

يوضح مارولف: {إنه نموذج متطرف جداً عن فكرة قديمة مفادها أن الثقوب السوداء قد تشمل جوانب داخلية ضخمة}.

يقول ليندي من جهته: {هذا الموضوع عميق جداً. بدأنا نستكشف هذا المجال للتو ونجمع معلومات جديدة عن الكون المتعدد. حتى أن كوننا قد يبدو أشبه بثقب أسود بالنسبة إلى علماء الفيزياء في كون آخر}.

إيجاد المعلومات المفقودة

تطرح الثقوب السوداء معضلة بارزة: حين تلتهم المواد، هي تلتهم معها المعلومات التي تشفّرها أيضاً. وفق مجال ميكانيكا الكم، لا يمكن القضاء على المعلومات. لكن أثبت ستيفن هوكينغ أن الثقوب السوداء تبث أشعة قبل أن تتبخر في نهاية المطاف. لكن إلى أين تذهب تلك المعلومات؟

اعتبر هوكينغ وزميله جايكوب بيكنستاين أن المعلومات تنبعث من الأشعة. لكنّ قبول هذه الفكرة يسبب مشاكل أخرى مثل تشكّل جدار حماية متوهج في الأفق، وهو افتراض ترفضه نظرية النسبية العامة التي طرحها آينشتاين. نظن الآن أن الثقوب السوداء قد تخفي أكواناً كاملة تتجاوز حدود أفقها: إنها عوالم مختلفة عن تلك التي نفترض وجودها تحت سطحها. قد يدفع هذا الوضع بعلماء الفيزياء إلى إعادة النظر بـ«مفارقة فقدان المعلومات}.

هل كان علم الفلك النجمي على حق؟