الذين يتحدثون عن الحب وكأنما هو كرامة لا يصطفي الله بها سوى قلّة قليلة من خلقه، ويصفونه بصفات تجعل مجرد الحلم بالدخول إلى جنّته ضرب من التطاول البجح على ما ليس للبشر العاديين حق به، هؤلاء يسوّقون لحب لا يغرينا، ولا يجعلنا نغزل من أهداب عيوننا سجادة من سهر لاستقباله حين يأتي، ولا يخلق فينا الرغبة لانتظاره كل صباح على مشارف اللهفة، حاملين إليه قلوبنا بين أيدينا مملؤة بحليب الشُّكر، غبوقاً يُطفئ ظمأه حين يصلنا بعد طول سفر!

Ad

هذا الحب لا يستحق منّا عناء الفرح به، ولا الحزن عليه!

الحب الذي يستحيل الوصول إليه، ويتجاوز آدميتنا بآلاف السنين الضوئية... لا يلزمنا.

الحب الذي يرى في آدميتنا نقصاّ لا يحتمله، وسُبَّة تشوّه من "بريستجه"... لا يلزمنا.

الحب الذي يتربع على عرشٍ في برجه العاجي خلف المجرّات، وينظر إلينا باحتقار... لا يلزمنا.

الحب الذي يأنف من إنسانيتنا الضعيفة، وتنفر نفسه من رائحة أجسادنا البشرية... لا يلزمنا.

الحب الذي نصبو إليه، ونبحث عنه بكل ما نحمل من السنين على كاهل أعمارنا، هو ذلك الحب صديق الضعفاء والمساكين والطيبين من البشر، هو ذلك الحب الذي يشاركنا قوت يومنا، ويتقاسمه معنا من ذات الإناء، وهو ذاك الذي يسابقنا على قهوتنا الصباحية، ويشاهد معنا التلفاز مساءً، ويشاركنا تربية أطفالنا، ويشاركنا الضحك على نكاتنا البريئة وغير البريئة، ويسخر من سذاجتنا بمرح، ويناقش معنا أخطاءنا بحنوّ، ويزاحمنا رغماً عنا على "الكنبة" التي نجلس عليها بعناد طفل، ونجد ذات "الكنبة" قد اتسعت بنا وبه عندما نذعن صاغرين مستسلمين!

هو ذلك الحب الذي يعرف أننا بشر عاديون ويَأْنَسنا، وأننا وحيدون فيؤنِسُنا، وضعفاء فيرحمنا، وتعساء فيسعدنا، وأغبياء أحياناً فيفكر عنا، وجائعون فيُطعمنا، ونتوه فيعجن لنا من بَسْط كفّيه قمراً.

هو ذلك الحب الذي يعرف أننا لسنا بشراً فوق العادة، ولسنا حِمْل ألمٍ فوق العادة، ويعرف أننا لسنا أنبياء، ولسنا معصومين، ويقبلنا كما نحن، بقوّتنا وانكساراتنا، بنهاراتنا وحلكة ليالينا، ويُصلح من اعوجاجنا ما استطاع، وينزع من قلوبنا شوك حدائقها ما اجتهد، ويطهّرنا بمائه من خطايانا ما أمكن، بشرط أن نصدق معه النوايا، وألاّ نحاول استغلاله مطيّة لتنفيذ رغبات شرور أنفسنا.

إني أعجز عن فهم أولئك الذين يحاولون إيهامنا بأن الحب شيء من المستحيل، وأنه لا يمكن لأي كان الوصول إليه، وأنه لا يصلح للتعاطي الآدمي وإنما هو حكر للذين يرتقون الى مصاف الملائكة، وأن قلوبنا بأثاثها الإنساني المتوا    ضع غير جديرة لسكنه فينا!

لا أفهم لماذا يجعلونا مرعوبين منه، ويُشعروننا بأننا غير مرغوبين من جلالته؟! وغير صالحين لذائقته؟!

نعرف أننا بشر، بينما هو من نور، وأن أرواحنا ملأى بالماء الآسن، وهو مليء بالمطر، ورغم ذلك لا يشفع له أن يعاملنا بدونيّة مهينة.

لا أعرف لماذا يسوّقون لنا حبّا بهذا الغرور الفجّ؟! ربما لأن عجز هؤلاء عن الحب، يحوّله إلى معجزة في أذهانهم، ومن ثم يحاولون إقناعنا بذلك! لا تصدّقوهم...!

إن الله وهو العظيم في عليائه قريب من عباده، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فلماذا لا يكون الحب كذلك؟!  

جعل الله الحب على الأرض للبشر، كل البشر دون استثناء ولا تمييز، وهم أحق الكائنات بنعيمه، فمنهم من به يُحسن إلى نفسه، ومنهم من به يسيء إليها!