في أكثر من مقال ينبه الأستاذ سعد محيو في مدونته إلى خطورة انفجار الصراع السني- الشيعي، الذي تتقاطع معه التناقضات العرقية، فنيران هذا الصراع نراها ملتهبة في العراق، وفي سورية، واليمن، وهناك خشية أن تنفجر في لبنان، ويمتد لهيبها إلى دولنا الخليجية، وإذا كانت أصول الصراعات تمتد إلى أكثر من ألف عام، إلا أنها اليوم بعد إسقاط نظام صدام، وبعد ثورات دول الربيع العربي ثم إخمادها من القوى المحافظة، تحولت إلى حروب مفتوحة بين الطائفتين، وأيضاً إلى حروب بالوكالة بين دول الإقليم، إيران من جهة ودول الخليج مع مصر من جهة أخرى، ويبدو أن حالة "الوكالة" ستتوسع حين تصطف أميركا وحلفاؤها مع السنة، وروسيا مع إيران والشيعة.

Ad

 وسواء اتفق البعض أو اختلفوا مع الأستاذ سعد في تحليلاته، يبقى القدر المتيقن متمثلاً في تشظي واقع عدد من دولنا العربية إلى دويلات الأمر الواقع، ومثالها الحالي شبه الدولة الكردية في الشمال العراقي، وبالطريق ستولد دويلات سنية وشيعية في العراق، أو في سورية واليمن، وهي دول لم تكن مجتمعاتها متجانسة في يوم ما، ولم تكن صالحة لأن يطلق عليها مفهوم "الدولة الأمة"، ولد، معظمها، باتفاق سايكس بيكو في نهايات الحرب الأولى، واستغلت النخب الحاكمة، فيما بعد، حالة التنافر الطائفي والقبلي (أو العرقي) لديمومتها حين تغلّب فئة على أخرى، وتظهر نفسها (الأنظمة) كالحامي الوحيد للطائفة المستضعفة.

الصورة للقادم ضبابية، ومخيفة، مع واقعنا المتخلف، وأنظمته الحاكمة العاجزة عن استيعاب تغيرات الداخل والخارج.

 يهمنا في الكويت التي تظهر فيها الآن بوادر "طشار" ما يجري حولها من دول المنطقة، فعدد من تصريحات بعض نواب الحكومة غاب عنها إدراك خطورة واقعنا السياسي والاجتماعي اليوم، فعلى سبيل المثال، ما مناسبة إثارة الحديث عن غلق كلية الشريعة، أو الردود عليه، وكأن هذه الكلية تمثل خطراً إرهابياً داهماً عند دعاة غلقها، أو أنها، بالصورة المناقضة، تحقق أقصى أماني أهل السنة والجماعة، عند المعترضين على الإغلاق. ونجد في مناسبات، أخرى تصريحات من نائب شيعي أو أكثر مستفزة لمشاعر الكثيرين من السنة، وفي مقابلها أيضا، نجد في الخطابات الشعبية السنية تشنجاً بردود الأفعال على تلك الأطروحات، وفي حالات أخرى، نطالع في وسائل التواصل الاجتماعي نوعاً من العسكرة الخطابية وكأننا أضحينا صفوفاً دفاعية للدفاع عن سنة اليمن من هيمنة الحوثيين، مع كثرة استعمال عبارات سيئة كـ"الصفويين" و"الروافض"، تصم شيعة الكويت وكأنهم وكلاء لدولة ولاية الفقيه، أو أنهم يشكلون امتداداً لنظام الأسد، وهناك للأسف أساتذة أكاديميون أفلسوا في قدراتهم التحليلية فلم يجدوا غير الآسن الطائفي ليخوضوا فيه.

وفي كلتا الحالتين يتم، بجهل متعمد، قبر الطرح العقلاني الهادئ عند الكثيرين من السنة والشيعة.

أين دور السلطة، من هذه "الترهات" التي أخذت تتزايد مع تأجج نيران الصراعات الطائفية في المنطقة، وهل تمتلك أي تصورات فكرية لما قد يحدث على أرضنا، لا قدر الله؟! غير ردود الأفعال، التي اعتدناها في الخطاب الرسمي لا نجد شيئاً يستحق الذكر، ما عذرها؟ هل هي مشغولة بفزر ملفات جناسي المعارضين، لتسحب جنسية بعضهم دون أي اعتبار إنساني لهم ولأسرهم، لأنها اكتشفت "صدفة" أنهم غير مستحقين للجنسية، أم أن وقتها مستغرق في متابعة ما يسطره المغردون، كي تهوي عليهم بسيف القانون، أو بكلام أصح "بعسف القانون"؟! أتمنى أن ترتفع السلطة، إلى مستوى خطورة المرحلة وتحدياتها في وقت لا يرحم الزمن الغافلين.