إنجاز مهم ومميز، وربما يكون تاريخياً، ما أُعلن مؤخراً بشأن موافقة الحكومة على قانون يستكمل استقلالية مرفق القضاء مالياً وإدارياً، وتحقيق ما يستحقه أعضاء السلطة القضائية من حقوق وضمانات وامتيازات مالية معقولة ومناسبة، بما يحقق صون ذلك المرفق وتعزيز الثقة به، بعد المزاعم والتجني اللذين لحقا به في الآونة الأخيرة من سياسيين وعامة، ما يستوجب مواجهتهم لوقف تلك الممارسات الشائنة.

Ad

قبل فترة وفي أثناء فترة التجني على القضاء وأعضائه، كتبت مقالة طالبت فيها بصون القضاء عبر قانون يستكمل استقلالية تلك السلطة، وتقديم ضمانات تمكنها من حماية نفسها، ومحاسبة من يحاول تخريبها أو زعزعة الثقة فيها من داخلها أو خارجها، وتمنيت أيضاً ألا يكون أي قانون مقبل كسابقه من القوانين التي أقرت لاستقلال القضاء، ثم اكتشفنا لاحقاً أن هناك ثغرات في تلك القوانين، وأن القضاء لايزال مالياً وإدارياً يتبع الحكومة.

وأهم ما يثير الجدل في استقلال السلطة القضائية الجوانب المالية، وكيفية التعامل معها في ما يخص الصرف والرقابة، وهو الأمر الذي حسمه رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد في لقائه مع "الجريدة" الأحد الماضي بتعيين مختصين من وكلاء مساعدين، للتعامل مع الجوانب المتعلقة بالرقابة المالية، ومع احترامنا لرأي المستشار المرشد وعدم اطلاعنا على القانون الجديد فإن الأوضاع تتطلب حسم القضايا المالية في مرفق القضاء بشكل لا يحتمل التأويل، وكما سيكون لرئيس السلطة القضائية، كوضع رئيس مجلس الأمة بعدم محاسبته سياسياً، فيجب أن تكون الالتزامات متماثلة، فيمنع رجال القضاء من التعامل مع الدولة مالياً، وكذلك أملاك الدولة، سواء بالبيع أو الشراء والتأجير وإبرام أية عقود معها، وتأسيس صندوق لاستثمار مدخرات القضاة يغنيهم عن التعامل في التجارة، وبصفة خاصة أسواق الأسهم، التي تتعرض دائماً شركاتها لمنازعات تعرض على القضاء.

بلاشك، إن وظيفة القضاء رسالة وتضحية وزهد وليست امتيازاً، وهو ما تعلّمناه من تاريخنا الإسلامي، ومن القدوات من الدول المحترمة، لذلك يجب أن يكرس ذلك عبر تقنين شطط المطالب المالية والامتيازات والجوازات الدبلوماسية الدائمة وخلاف ذلك، وتأكيد أن وظيفة القضاء للمميزين من أصحاب الفكر والعلم وخدمة المجتمع كما كانت دائماً في الكويت، والتأكيد على تعظيم دور الرقابة والتفتيش القضائي، والنأي برجال القضاء عن الاحتكاك في المحافل العامة، وإنجاز نادي القضاة، وتفعيل وثيقة الشارقة حول أخلاقيات وسلوك القاضي الصادرة عن المؤتمر الحادي عشر لرؤساء أجهزة التفتيش القضائي في الدول العربية، والمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985، ومبادئ بانجلور للسلوك القضائي، ووثيقة الرياض حول أخلاقيات وسلوك القاضي العربي، وهي حزمة الإجراءات التي ستشكل الحصن الذي سيوقف أي تناول أو تشكيك في هذه السلطة، وهو ما يعزز وضعنا كدولة مؤسسات رائدة في المنطقة تجاوزت كل القلائل والهزات السياسية التي عصفت بالآخرين، بسبب المشاركة الشعبية في إدارة الدولة، ورسوخ مؤسساتها الدستورية.