إذا كان الغرب صادقاً في الحرب ضد الإرهاب «الداعشي» فلماذا لا يعقد مؤتمراً صحافياً معلناً يتضمن كشف حساب للدول والأفراد الذين رعوا هؤلاء الإرهابيين، ومن أمدهم بالسلاح ومن سهّل دخولهم عبر الحدود من آسيا الوسطى حتى المغرب العربي، ومن اشترى نفطهم المسروق إذا كان الغرض فعلاً حرباً عالمية ضد الإرهاب؟

Ad

الحكومة الأميركية إما أنها على درجة عالية من الغباء والتخبط وإما أنها أمام مخطط سياسي جديد في المنطقة بشكل شيطاني، وفي كلتا الحالتين فإن الشعوب العربية هي التي تدفع الثمن غالياً.

الولايات المتحدة تسعى إلى خلق تحالف دولي لمواجهة "داعش" وذلك تحت غطاء أممي بقرار من مجلس الأمن، على الرغم من أن هذا التنظيم عبارة عن جماعة إرهابية لا تمثل دولة أو حكومة، وبسرعة البرق استجابت عدة دول للأمر الأميركي ومنها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وأستراليا، ومسرح العمليات العسكرية سوف يكون في العراق وسورية، وهذا مربط الفرس.

في سورية كانت الولايات المتحدة من أبرز الدول المؤيدة للجماعات الإرهابية المسلحة على مدى أربعة أعوام، وكان الدعم المالي واللوجستي والتسليحي لهذه التنظيمات يأتي بشكل مباشر وممنهج عبر حلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديداً من تركيا والأردن وبعض دول الخليج.

أما في العراق فقد ترعرعت هذه الجماعات واستهلت أعمالها الإرهابية في ظل الوجود الأميركي وقرار واشنطن بحل الجيش العراقي الذي تحوّل قادته البعثيون إلى نواة الجيش الداعشي، أما الرموز السياسيون والدينيون لهذا التنظيم فكانوا من المعتقلين لدى الأميركيين والحكومة العراقية، ومن ثم الإفراج عنهم وفق صفقات وضغوط سياسية واضحة لتبدأ بعدها سلسلة الاجتماعات مع هذه التنظيمات التي عقدت برعاية أميركية في كل من تركيا والأردن.

نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بدوره أعلن بصراحة استراتيجية الولايات المتحدة لتقسيم العراق وإسقاط النظام السوري، وعلى مدى السنوات الأربع الأخيرة تحول "داعش" إلى قوة عسكرية بتمويل هائل يزعم أنه من النفط المهرّب من الحقول العراقية والسورية، ومعظم هذا النفط كان يصدّر عبر تركيا لأوروبا والولايات المتحدة، مع أن أميركا وحلفاءها الأوروبيين لهم خبرة واسعة ودقيقة في فرض نظام المقاطعة الاقتصادية، وحركة الحسابات البنكية حتى للأفراد العاديين وفي عقر دارهم، كما أن الولايات المتحدة لها قدرة هائلة على التنصّت على أجهزة التلفون والإنترنت حتى على أكثرها حماية مثل رؤساء الدول والحكومات.

فجأة الحكومة الأميركية تريد محاربة "داعش" وتفرض عليه نظام العقوبات والمقاطعة الاقتصادية، وفجأة يعلن زعماء بريطانيا وفرنسا أن "الدواعش" قد يكونون في شوارع لندن وباريس!

إذا كان الغرب صادقاً في الحرب ضد الإرهاب "الداعشي" فلماذا لا يعقد مؤتمرا صحافيا معلنا يتضمن كشف حساب للدول والأفراد الذين رعوا هؤلاء الإرهابيين، ومن أمدهم بالسلاح ومن سهّل دخولهم عبر الحدود من آسيا الوسطى حتى المغرب العربي، ومن اشترى نفطهم المسروق إذا كان الغرض فعلاً حرباً عالمية ضد الإرهاب؟

وما السر في العمليات العسكرية الأميركية المنفردة في سورية؟ وهل تستهدف نيران الطائرات الحربية مواقع "داعش" أم أنها فرصة لضرب مواقع الجيش السوري في الخطة المعدة قبل سنتين من إدارة أوباما؟

وما السر في التسليح السريع والمكثف لجيش البيشمركة الكردي وبالمجان في مقابل تعطيل اتفاقية التسلّح للجيش العراقي والبالغ ستة مليارات دولار مدفوعة بالكامل قبل عدة سنوات؟

هذه التساؤلات تبيّن بوضوح أن السياسة الأميركية في المنطقة ليست بالغبية، إنما ترجح الاحتمال الآخر، وهو مخطط جديد قادم، وما دام هذا المخطط أميركياً فبالتأكيد لا يحمل الكثير من الخير لشعوب المنطقة!