حصلت من منظمة العفو الدولية على {جائزة سفير الضمير} في برلين، وهو تكريم جديد لم تتمكن من حضوره شخصياً لأن حكومة بلدك لا تزال تمنعك من السفر إلى الخارج. ماذا ستفعل إذا استعدت جواز سفرك؟

Ad

 

سأتحقق من صحة البيانات ومن صلاحية جواز السفر (يضحك). جدّياً، سأتصل بابني الذي يقيم مع والدته في برلين لأنه مشتاق لي. هل تعلم ماذا سألني في أحد الأيام؟ {أبي، من أخذ منك جواز سفرك: رجال الشرطة أم الشيوعيون؟}. ما كان عليّ أن أجيبه؟ قال لوالدته مرّة: {أنا واثق من أنهم لن يعيدوا له جواز سفره مطلقاً. لقد راودني حلم بذلك!}.

 

ابنك آي لاو عمره ست سنوات.

 

صحيح، وهو طفل عاطفي وله مخيّلة خصبة. حين حاول رفع معنوياتي، قال لي: {الأشخاص الذين يلاحقونك ليسوا أفضل منك بكثير. قد تضطر إلى الهرب منهم، لكنهم مضطرون أيضاً إلى ملاحقتك طوال الوقت}. شجّعني هذا الكلام فعلاً وأعطاني نظرة جديدة إلى الأمور: لا شك في أن الأشخاص الذين يطاردونني يشعرون بالإحباط مثلي. وتعكس مشاعر القلق وانعدام الأمان التي تنتابني قلق الدولة وعدم شعورها بالأمان. الدولة خائفة أيضاً.

 

خلال آخر سنتين ونصف، تدهور وضع حقوق الإنسان في الصين. لماذا تعتقل الإدارة الجديدة هذا العدد كله من منتقديها؟ لماذا لا تسمح بتوسيع هامش حرية التعبير ولو قليلاً؟

 

لا يفاجئني هذا الوضع، فقد مررتُ بأوقات أسوأ بكثير في السابق. لا مفر من التساؤل طبعاً: هل الحكومة تتعامل بهذه القسوة لأسباب تكتيكية أم ثمة سبب إيديولوجي أعمق لتفسير سلوكها؟ في النهاية، أظن أن صرامة الدولة تعكس ما تشعر به من انعدام أمان وتردد.

 

وفق إحدى الفرضيات، لا تزال الإدارة الجديدة تح2اول ترسيخ سلطتها. وبعد إنهاء هذه المرحلة، قد تتحسن الأوضاع.

 

أظن أن هذه النظريات خاطئة، سواء كانت تتوقع تحسن الوضع أو تدهوره. المهم في النهاية هو ما تفعله الحكومة. أدرك جيداً أن حكم الصين ليس مهمّة سهلة. تتلاحق الأزمات والحالات الطارئة طوال الوقت لدرجة أننا قد لا ندرك جزءاً منها. لكني أخشى أن نضطر إلى الانتظار كي نرى ما ستفعله الحكومة على وجه التحديد.

 

إذا أردتَ تسليط الضوء على قضية واحدة من قضايا حقوق الإنسان الكثيرة في الصين اليوم، ما ستكون تلك القضية؟

 

كنت لأوجّه أنظار العالم نحو قضية بو تشي تشيانغ، وهو الرجل الذي يمثل الصين الجديدة بطريقة لا يفعلها كثيرون. هو محامٍ مثقف جداً ولطيف وقد قدّم المساعدة في قضايا كثيرة تخدم حقوق الإنسان. هو متأثر جداً بحقبة دنغ شياو بينغ (وليس ماو قبله بسنوات) وقد كانت له مساهمات كبرى لبناء هذا المجتمع الجديد. لكنه يرفض نسيان ما حصل في عام 1989. وبما أنه تجاوز هذا الخط الأحمر، يقبع في السجن منذ سنة بعد اتهامه بجرائم لا يتصورها عقل. ما من دليل واحد على تلك الجرائم طبعاً. لا أحد يعلم ما سيحصل له. لكن ستثبت قضيته إلى أين تتجه الصين خلال السنوات المقبلة. هل سيحصل على محاكمة عادلة؟ هل سيترسخ حكم القانون في الصين؟ هل سنبدأ يوماً باحترام حرية التعبير وتقبّل آراء بعضنا البعض؟

 

كيف يُفترَض أن تتعامل الحكومات الأجنبية مع قضايا مثل قضية بو تشي تشيانغ؟ يقول الدبلوماسيون في أغلب الأحيان إنهم لا يستطيعون مساعدة المعارضين إلا من خلال مناقشة قضاياهم وراء الأبواب المغلقة.

 

إنها مقاربة خاطئة. إذا أردنا أن تحمل حقوق الإنسان أي معنى حقيقي، فيجب أن نناقشها علناً. كل سياسي يحترم الحكومة الصينية يجب أن يخبرها برأيه صراحةً. من غير اللائق أن يصمت أحد أمام قضايا مماثلة: تجاه الحكومة والأشخاص المعنيين في آن.

 

منذ سنتين أو ثلاث سنوات فقط، اتخذت الصين موقفاً دفاعياً عند التشكيك بطريقة تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان. اليوم، يعمد المسؤولون في معظم الأحيان إلى عكس الاتهام فيسألون: ماذا عن قضايا العنصرية في الولايات المتحدة؟ ماذا عن انتهاك الخصوصية من الأجهزة الغربية السرية؟

 

لا تستطيع أي دولة أو مجتمع ادعاء ترسيخ حقوق الإنسان بشكل نهائي. ما شهدناه في الولايات المتحدة أخيراً مشين فعلاً. أستعمل هذه الكلمة عمداً. لا مفر من الانزعاج من تعرّض الناس لسوء المعاملة أو حتى القتل خلال اعتقالهم. تتعدد قضايا ومظاهر العنصرية في الولايات المتحدة، بدءاً من طريقة تعامل الشرطة مع الناس وصولاً إلى مسائل التعليم وفرص العمل. لكن في الولايات المتحدة، يتم التناقش بهذه القضايا علناً.

 

وفي الصين؟

 

تعيش الصين مرحلة مختلفة من التطور ويتم انتهاك حقوق الإنسان هنا في مناسبات إضافية. مع ذلك، نشهد بعض التحسينات في هذا البلد. تبرز اليوم قضية الشرطي الذي أطلق النار على رجل في محطة قطار أمام أفراد عائلته. حصل على الأقل تحقيق علني ضد الشرطي (وقد تمت تبرئته من أي تصرف خاطئ من الدرجة الأولى). ما كان يمكن أن يحصل أمر مماثل منذ بضع سنوات. كانت هذه القضية لتُعتبر حينها {مسألة داخلية خاصة بالشرطة}، وما كان أحد ليسمع عنها مجدداً.

 لا يمكن أن يحصل ذلك بعد الآن. أنشأت شبكة الإنترنت نطاقاً عاماً وفرضت ضغطاً لم تعد الحكومة تستطيع تجاهله. يجب أن نستعمل هذا النطاق العام ونعيد تعريف الأمور التي يُسمَح للحكومة بأن تقوم بها (ما وراء الحدود التي تفرضها الصين)، ونحدد أين تنتهي صلاحياتها وأين تبدأ خصوصية المواطن.

اعتقال وانفتاح

 

• تعمد الحكومة الصينية أخيراً إلى اعتقال عدد إضافي من الناشطين في مجال الحقوق المدنية أكثر مما كانت تفعل في السنوات السابقة، لكن في الوقت عينه اكتسب عدد كبير من المواطنين ثقة إضافية بنفسهم. تعجّ المدونات الصينية بتعابير السخرية والتهكم ولا تستطيع أجهزة الرقابة دوماً أن تحذف جميع التعليقات بالسرعة اللازمة.

 

عشنا بعض الأيام الباردة في بكين. لكن سيحل الصيف لا محالة. ينطبق هذا الأمر على الصين ككل. في هذه الفترة، يعود نحو 350 ألف طالب إلى الصين من الخارج كل سنة - 350 ألف شاب مثقف. أعرف أخبارهم لأنهم يعرفونني وغالباً ما يسألونني في الشارع إذا كانوا يستطيعون أن يلتقطوا صورة معي. هؤلاء الأشخاص مبدعون وساخرون ولن تستطيع الحكومة في نهاية المطاف أن تسيطر على ما يدور في عقولهم. حتى لو حصل بعض الانتكاسات في السنوات الأخيرة، بدأت الصين تتغير فعلاً. أصبح المجتمع الصيني أكثر انفتاحاً.

 

• هل يبدو هذا الانفتاح قابلاً للصمود أم أن الأطراف التي تفضل عزل الصين والعودة بالزمن إلى الوراء ستنتصر؟

 

لا أظن أن الكثيرين يريدون حصول ذلك. حتى الحكومة لا تريد حصول ذلك ولا حتى {الشخص الأول} في الدولة.

 

• هل تعني الرئيس شي جين بينغ؟

 

تدرك القيادة أنها لا تستطيع حل مشاكل الصين المستقبلية بأساليب الماضي: العواقب الديمغرافية لسياسة الطفل الواحد، بناء دولة الرفاهية، تأمين فرص عمل لسبعة ملايين خرّيج جامعي كل سنة، استفحال الفساد... حتى بعض الحكومات الغربية سيتخبط قبل إيجاد حلول لهذه المشاكل كلها.