بعد مرسوم الصوت الواحد قاطع الانتخابات أغلب أطياف المجتمع ظناً منهم بوجود شبهة دستورية وخلاف سياسي حول المرسوم، ولكن بعدما حكمت المحكمة الدستورية بتحصين المرسوم انقسم معارضوه إلى قسمين، قسم حكّم العقل وأعلن تمسكه بحقه الدستوري باختيار ممثليه، والآخر جرّته العاطفة إلى الانزلاق في منحدر تلته منحدرات أخرى، وأخذه الحماس لعبارة "إما نكون اللي نبي وإلا يا عسانا ما نكون"! عاكسة معها مدى إيمانه بالتعددية، وناسفة جميع مبادئ ديمقراطيته المزعومة.

واليوم كما هو واضح أن أغلبية المجلس الأول المبطل تعاني انقساماً حول موضوع المشاركة من عدمها أو بتحكيم العقل أو الانجرار مرة أخرى إلى العاطفة والانسياق خلف الكبرياء، وإن كل ما تخشاه الأغلبية السابقة هو كيف سيقابلون أنصارهم بعد الشعارات التي ألقوها وأشعروا أنصارهم والمتابعين بقرب حرب لا خلاف سياسي حول مرسوم.

Ad

والشبهة الدستورية حول المرسوم قد أسدل الستار عليها بعد حكم "الدستورية"، وبقي الخلاف السياسي حوله، فهل من الممكن أن يُحل هذا الخلاف عن طريق الشارع؟ سؤال لمن لديه القليل من المعرفة بتاريخ الكويت منذ النشأة حتى الحداثة، وتاريخ الأمم التي تدرجت من قعر الوحل إلى رأس الهرم، هل من حل غير المشاركة؟

 تمعن بتاريخ الأمم الحديثة، والأخرى النموذج، والحضارات في الأزل، والتسلسل الديمقراطي لها، فسترى طريقين لا ثالث لهما: الأول يكون بالوفاق التام حول كيفية التقدم الديمقراطي ومكانه وزمانه ومدى ارتباطه بالوعي الحالي للمجتمع (وهذا لا يحدث إلا بحوار وطني شامل وواسع)، والثاني بحروب وفتن تأخذ صولات وجولات وانقلابات ومراحل شك، وأخرى ضبابية الهدف المنشود، ودخول القضية الأساسية في منحدرات واسعة تؤدي إلى تفرعات وانشقاقات.

 فالكويت بلد صغير عرف شعبه منذ قديم الزمان بالتعاون في الرخاء والتماسك في المحن، وجنب هذا النسيج الاستثنائي الكويت من السقوط في المزالق، ففي تاريخها الحديث لم تطغ فئة على أخرى، ولم نر أسياداً وعبيداً، والسلمية سمة الكويت منذ النشأة، فلا يظن من أراد بها شراً أنها ستبتعد عن هذا الطريق الذي توج مؤخراً بإعلان أميرها قائداً للعمل الإنساني حول العالم كل العالم.

الزبدة:

المقاطعة كآلية متبعة قد فشلت، فلا أنياب لها ولا جذور، ولا إيمان بثمرة تُحصد، فلا عيب بالاعتراف بالخطأ إنما العيب في المكابرة والاستمرار فيه، ومحاولة تأجيج الشارع لخزعبلات وخرافات ما هي إلا لإشهار إفلاس سياسي، وإقرار بالفشل الشعبي، فالمواطن اليوم سئم الشعارات السياسية، خصوصاً بعد انتقال الصراعات إلى حياته الخاصة، وصحته، وتعليم أبنائه، فالمسألة ببساطة هي حق لك، فإما أن تحتكم إلى المنطق وتستغله أو تجرك العاطفة والكبرياء وتجردك منه، ولأن عاطفتك جردتك منه فليس من حقك تجريم من امتثل له.