لا تصدق الدعاية التي تقول إن فيلم «وردة» تأليف محمد حفظي وإخراج هادي الباجوري «فيلم رعب تدور أحداثه في العالم الغامض والمخيف للجن والشياطين واستخراج الأرواح، من خلال قصة حقيقية لفتاة تتعرض لمس شيطاني يحيل حياتها وحياة من حولها إلى جحيم»، فالمتابع لأحداث الفيلم لن يرى جحيماً من أي نوع، كما أن إطلاق اصطلاح «فيلم رعب» على ما رأيناه يحمل كثيراً من المبالغة، والتصنيف غير الدقيق، بل يمكن القول إن فيلماً مثل «الإنس والجن» (إنتاج 1985) تأليف محمد عثمان وإخراج محمد راضي وبطولة عادل إمام ويسرا يبدو أكثر تماسكاً ومصداقية وإقناعاً من فيلم «وردة»، الذي اتسم بكثير من الارتباك على صعيد الموضوع، والتشويش على مستوى الصورة، حتى لو قيل إن الفوضى مطلوبة لإضفاء واقعية على هذا الفيلم الممل!

Ad

تُشير اللوحة الوحيدة التي ظهرت في بداية الفيلم إلى أن «الفيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت في إحدى قرى الريف المصري»، ومنذ الوهلة الأولى يتبين لنا أن التجربة شابها العجلة وسوء التقدير، من المؤلف والمخرج معاً، فالانطلاق من قصة الفتاة الريفية «وردة» (الوجه الجديد ندى الألفي)، التي تعيش في شبين الكوم، وأصابها مس شيطاني، عقب وفاة والدها الذي كانت تحبه كثيراً، ورحيل شقيقها «وليد» (الوجه الجديد فاروق هشام)، لم يخضع للدراسة المتأنية للحالة والظاهرة، وبدت الرغبة واضحة في ارتياد شكل من أشكال التجديد والتجريب في الصورة السينمائية ليس أكثر.

 من هنا أطلق المخرج هادي الباجوري العنان لكاميرا مدير التصوير طارق حفني لتحطم القواعد المتعارف عليها، وتتحرر من الحركة الهادئة والرصينة، وتسقط تارة وتهتز بعنف تارة أخرى، وتسير بلا هدى طوال الوقت، وهو نوع من التجريب المزعج لم ينقذنا منه سوى الـ Found Footage، الذي مزج بحرفية عالية، ودقة بالغة، بين عدد من الوثائق الحقيقية، والتسجيلات الأصلية، وبين التصوير المستحدث لبعض المشاهد التمثيلية الحية. فالشقيق العائد من هولندا مع صديقته التونسية الأصل {آمنة} (الوجه الجديد عبير) مدون إلكتروني، عاشق للسينما، وهاو للتصوير، ينتهز فرصة العودة إلى القرية التي ولد ونشأ فيها، للاطمئنان على شقيقته التي تعاني مرضاً نفسيا، ليصور فيلماً تسجيلياً عن منزل عائلته، الذي يُقال إن الأشباح تطارد قاطنيه، لكن الفكرة التي تصلح لإشاعة مناخ من الإثارة والغموض والتشويق والتوتر تكاد تنتهي إلى بركة آسنة يمرح فيها الخمول والموات، ويخيم عليها الضجر والتكرار، بل إن الفيلم لا يتبنى موقفاً حاسماً من ظاهرة المس الشيطاني، ويكاد ينجرف وراء الدعاوى التي ترى أنه لا مانع من اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين، والمتاجرين بالقرآن، كسبيل للعلاج، وكأنه يكرس للخرافة والجهل!

لجأ المخرج هادي الباجوري، بالاتفاق مع المنتج محمد حفظي، إلى اختيار وجوه جديدة لتجسيد الشخصيات الرئيسة، وغلبت على الأداء التمثيلي الرتابة، والتصنع، والافتعال، خصوصاً من جانب الوجه الجديد فاروق هشام، الذي جسد دور الشقيق، وجاء اختفاء الصديقة التونسية عجيباً ومثيراً للدهشة، كغرابة اختيار أن تكون تونسية الأصل، رغم انتفاء السبب الدرامي، وحديثها غالبية الوقت بلهجة مصرية لا علاقة لها باللهجة التونسية، بينما نجحت ندى الألفي في إشاعة جو من الكآبة والاكتئاب مع كل مشهد تظهر فيه، على عكس الأم التي أجادت تجسيد شخصيتها الدرامية، واتسم أداؤها بواقعية ومصداقية، كالمؤثرات الصوتية التي أضفت كثيراً من الإثارة على التجربة، على عكس النهاية الملفقة التي قتلت فيها {وردة} أمها وشقيقها، وبعد العثور على الجثتين، تم إيداعها مستشفى الأمراض العقلية، بعدما زعمت أنها ليست {وردة} وإنما شقيقتها {فاتن} التي ماتت منذ قرابة الأربع سنوات!

تجربة فنية هزيلة سيطر عليها الخيال الكسيح، وفشلت جهود المؤلف والمخرج في إضفاء بعد علمي و{ميتافيزيقي} عليها،  بالإشارة، عبر الصورة والأرقام على الشاشة، إلى أن النشاط الروحاني يزداد بين منتصف الليل والساعات الأولى من الصباح، والتأكيد أن الفتيات والنساء أكثر الحالات تعرضاً للمس الشيطاني، فالعمق غائب، والدراسة غير متوافرة، والعجلة واضحة، والإنتاج الفقير سمة للتجربة، التي حظيت بحملة دعائية ترويجية ضخمة أسهمت في تقديم الفيلم بوصفه تجربة فنية غير مسبوقة، وهو الأمر غير الصحيح على الإطلاق. فالرغبة في تقديم فيلم على غرار أفلام {هيتشكوك} أو محاكاة الأفلام التي تتوقف عند الظواهر الخارقة، انتهى إلى مسخ سينمائي بمعنى الكلمة، فالتوتر غائب، والتشويق شحيح، والإثارة نادرة، والاستعانة بأهل القرية التي شهدت التصوير قاد إلى فشل محقق بينما الطموح إلى تقديم فيلم يثير الحواس أفضى إلى تقديم فيلم مستفز... مزعج... ومثير للأعصاب!