مع بداية عام 2011، خرجت جماهير عربية هادرة، في أكثر من قطر عربي لتعبّر عن حلمها بالحرية والعيش الكريم، وتصرخ بوجعها ويأسها من الحياة في ظل أنظمة دكتاتورية طاغية. لكن آمال تلك الجماهير والشعوب، آلت إلى عنف وقتل أعمى، ودمار زحف على الحجر كما البشر. ووسط ما حدث ويحدث، فإن المشهد الثقافي العربي أصيب في مقتل، ولم يكن مضعضعاً كما هو اليوم!

Ad

كيف لمواطن عربي تلاحقه الحرب المجنونة ويتربص الموت البشع به وأطفاله، أن يلتفت إلى القراءة والكتاب، واللوحة والمعرض، والنص المسرحي والمسرحية، والنوتة والقطعة الموسيقية؟ مما يجعل الحديث عن الثقافة والأدب والفن في حضرة وحش الموت، أمر يفتقر إلى اللياقة الإنسانية، وإلى التنكر لمعايشة ألم وضياع الآخر.

الثقافة العربية في القرن العشرين، كانت محصلة جهدٍ وإبداع عربي كبير ومتداخل. مع اختلاف مساهمة وتأثير كل قطر عن الآخر. لكننا اليوم نقف أمام واقع مخيف. وقد طال هذا الخوف المفكر والأديب والفنان، وجار عليهم، مما جعل البعض يخرس عن أي نشاط ثقافي أو فني، ودفع بآخرين إلى الهرب من الموت. وليس بجديد الإشارة إلى تشتت المفكرين والفنانين والأدباء العرب في منافي الأرض، وهم يتابعون بأسى لحظة بلحظة المصير المؤلم الذي طوّق بلدانهم.

لقد خسرت الثقافة والفن العربيين خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من إبداعها، وخسرت أيضا وصل المفكر والأديب والفنان العربي مع زملائه وأصحابه. ويبدو هذا الخسران واضحاً وجلياً على ملامح المشهد الثقافي والفني العربي، في الرواية والقصة والشعر واللوحة والموسيقى والمسرح والسينما.

ما يثير الاستغراب غياب صوت المبدع والمثقف العربي عن الواقع الجديد! أفهم تماماً موقف أولئك الزملاء الذين قد تكلفهم الكلمة حياتهم وحياة من يعيلون، ولكن يبدو مثيراً للتساؤل هذا الصمت الرهيب الذي يلف المشهد العربي الثقافي، فأين هم المفكرون والمبدعون والمثقفون العرب من اجتماع أو وثيقة أو ورقة تقف إلى جانب المفكر والمبدع والمثقف العربي في محنته. وتدفع عن المثقف تهمة السلبية وغيابه عن الفعل على ساحة القتل العربي اليومي، واصراره أن يكون بعيداً عن همّ الناس الحقيقي!

قدم المبدعون العرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة، في شتى الأوطان العربية، تضحيات كبيرة، أخذت بعضهم إلى الموت، مثلما قدموا أعمالاً إبداعية تصعب على النسيان، وستبقى حاضرة ما بقي الإنسان. لكن أقطار الوطن العربي تمرّ في وقتنا الراهن بفترة تاريخية لم يسبق أن عاشت مثلها، في التاريخ العربي الحديث، وهذه الحالة الجديدة تتطلب بالضرورة تفكيراً مغايراً، ينطلق من محاولة فهم عوالمها، تمهيداً لتقديم رؤية تستطيع التعامل معها.

فإذا كان البعض قد عوّل في الماضي على مبادرات عربية رسمية، فإن الوضع الثقافي العربي يقول صراحة باستحالة ذلك الآن، ولذا "فما حكّ ظهرك مثل ظفرك". وحدهم المفكرون والمبدعون العرب، وربما عبر منابر شتى، ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي، يستطيعون التنادي لوثيقة عربية ثقافية تكون بمثابة شمعة ضوءٍ في عتمة الواقع العربي المرّ الذي تعبر دهاليزه شعوب أوطاننا العربية.

نعم، لتسمع جماهير الشعوب العربية، صوت المفكر والمبدع والمثقف العربي، ولتشعر أنه لم يتركها تواجه مصيرها، وأنه رغم كل الوجع والموت والتهميش الذي يعانيه، فإنه لم يزل وفياً لها، ولكلمته، وهو إذ يعيش الألم، فإنه لا يمتلك إلا أن ينظر إلى الغد، ويقول كلمته الصادقة.

دعوة شخصية أطلقها لجميع زملائي من المفكرين والمبدعين والمثقفين العرب، للتفكير بوثيقة ثقافة عربية، تشخّص الواقع العربي المؤلم القائم، وتطلق صرخة فكر ورأي لشعوب صارت تعيش على الموت وللموت.