بعد أن أصبح التباطؤ الاقتصادي في الصين أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فإن احتمالات تمكنه من تجنب الهبوط الحاد باتت ضعيفة على نحو متزايد، وسوف يتوقف نجاح صناع السياسات على قدرتهم على الإبحار عبر التحديات النابعة من اقتصاد مزدوج المسار ومنقسم بشكل متزايد.

Ad

والواقع أن أحدث البيانات على أساس سنوي من يناير تسلط الضوء على المخاطر، فقد انخفض مؤشر أسعار المستهلك إلى 0.8%؛ وتراجع مؤشر أسعار المنتجين بنحو 4.3%؛ وتقلصت الصادرات بنسبة 3.3%؛ وانخفضت الواردات بنسبة 19.9%؛ وتباطأ نمو المعروض النقدي الواسع (M2) بنحو 1.4%.

وعلاوة على ذلك، خضع الرنمينبي لضغوط هبوطية، وهو ما يرجع جزئياً إلى التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة، والذي غذى تدفقات رأس المال، ونظراً للانخفاضات الكبيرة في نمو الأرباح الصناعية (من 12.2% في عام 2013 إلى 3.3% في العام الماضي) وإيرادات الحكومات المحلية من مبيعات الأراضي (التي انخفضت بنسبة 37% في عام 2014)، فهناك قدر كبير من القلق من أن تتسبب الدورة الانكماشية اليوم في إشعال شرارة أزمة ديون تضرب الشركات والحكومات المحلية.

وتأمل الصين تأمين التنمية الاقتصادية الطويلة الأمد من خلال التحول من اقتصاد توجهه الدولة إلى اقتصاد تقوده السوق، ولكن هذه العملية خلقت تناقضات كبيرة في الأداء الاقتصادي، حيث كان أداء الشركات المملوكة للدولة أسوأ كثيراً من نظيراتها في القطاع الخاص، رغم أنها أقدر على الوصول إلى الائتمان، وهناك فجوة تفاوت متزايدة الاتساع بين أسعار العقارات في مدن الصين المزدهرة من الطبقتين الأولى والثانية وبين المدن المتخلفة من الطبقتين الثالثة والرابعة (وإن كان ارتفاع دخول الأسر في المدن المزدهرة يجعل الإسكان هناك في متناولها.

وتتلخص مهمة السلطات الآن في تحديد كيفية دعم النمو المستمر على المسار الأفضل أداء (القطاع الخاص والمدن من الطبقتين الأولى والثانية)، في حين تعمل على إزالة القدرة الفائضة وتعزيز الإنتاجية على المسار الأضعف (الشركات المملوكة للدولة والمدن من الطبقتين الثالثة والرابعة)، ولكي يتحقق لها النجاح، يتعين على السلطات أن تعمل على معالجة التداعيات المترتبة على النهج السابق، والذي تسبب من خلال توفير المزيد من الأموال والسياسات التفضيلية للمسار المتخلف في تغذية القدرة الفائضة والديون المحلية غير المستدامة.

بعبارة أخرى، يتعين على الصين أن تواجه التكاليف غير القابلة للتعديل الناجمة عن قرارات التخطيط الرديئة، وبدلاً من التمسك بالأمل في قدرة التدخل البيروقراطي على إصلاح المشاريع المعيبة، ينبغي للمسؤولين أن يتبنوا نهجاً قائماً على السوق والسماح بتخصيص الخسائر من خلال عملية الإفلاس، وبالتالي تمكين كل أصحاب المصلحة من الانتقال إلى أنشطة أكثر إنتاجية.

وتفرض بنية الاقتصاد الصيني المزدوجة المسار أيضاً تحديات فريدة على الإدارة المالية الكلية، ومع استيعاب القطاعات السريعة النمو كماً متزايداً من الموارد، فإن التحول إلى معدلات فائدة أكثر توجهاً نحو السوق مطلوب لضمان التخصيص الفعّال. ومن ناحية أخرى، تخاطر القطاعات البطيئة النمو بالانزلاق إلى "ركود الموازنة"، حيث تفرط الشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية المثقلة بالديون في التركيز على سداد ديونها، حتى إنها تتوقف عن الاستثمار في البنية الأساسية المطلوبة، حتى عندما تنخفض أسعار الفائدة. ونتيجة لهذا فإن السياسات النقدية والتحوطية الكلية التقليدية تسقط بين المطالب المتنافسة على الائتمان، مع احتياج أحد المسارين إلى دعم النمو الإنتاجي في حين يحاول الآخر كسب الوقت لإعادة الهيكلة.

وقد حاول بنك الشعب الصيني مواجهة هذه المعضلة عن طريق إيجاد نوع من التمايز بين متطلبات الاحتياطي وفقاً للقطاع أو نوع المؤسسة المالية، ولم تكن النتائج مشجعة.

على سبيل المثال، عندما خفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة الرسمي في نوفمبر الماضي، بهدف المساعدة في تقليل تكاليف الاقتراض في القطاع الخاص، تسبب ذلك في إحداث طفرة مضاربة في سوق الأوراق المالية، وفي أعقاب بيانات الاقتصاد الكلي المخيبة للآمال في يناير، تدخل بنك الشعب الصيني مرة أخرى بخفض نسبة الاحتياطي للبنوك بنحو 50 نقطة أساس، مع تخفيضات إضافية للبنوك التي تركز على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (50 نقطة أساس) ولبنك التنمية الزراعية في الصين (400 نقطة أساس). ورغم هذه الجهود لا يبدو أي من المسارين مقتنعاً بأن مطالبه الائتمانية قد لبيت.

الواقع أن الجهود الرامية إلى معالجة هذه التحديات البنيوية لا تحبطها الحواجز المؤسسية فحسب، بل أيضاً الفساد الرسمي الراسخ، والمشكلة هي أن تدابير مكافحة الفساد، رغم أنها تتمتع بدعم شعبي واسع، تعمل على تقويض الفعالية البيروقراطية في الأمد القريب، وهي قضية مهمة في عام الإصلاح الحاسم، وخصوصا في ظل تباطؤ النمو.

إن الإصلاحات المؤسسية الرامية إلى مكافحة الفساد والحد من القدرة الفائضة والتعامل مع الديون المحلية غير المستدامة من شأنها أن تعمل على توليد أرباح طويلة الأمد وفوائد مستدامة، ولكن تدابير التحفيز القصيرة الأمد، مثل خفض الضرائب وزيادة العجز المالي، سوف تكون مطلوبة للحد من العراقيل التي تحول دون النمو، وهذا يعني عكس اتجاه الانحدار الأخير في عجز الموازنة الحكومية، والذي ضاق إلى 1.8% في العام الماضي، من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013.

لن يكون الانتقال من الاقتصاد المزدوج المسار إلى اقتصاد قائم على السوق بالمهمة السهلة، فمن الواضح أن الاقتصاد الصيني في حاجة ماسة إلى الإصلاح، ولكن الأخبار ليست كلها سيئة: ذلك أن قسماً كبيراً من الاقتصاد مستمر في التوسع، الأمر الذي يؤسس لمعدلات نمو إجمالية أعلى كثيراً مقارنة بأغلب الاقتصادات الأخرى. فضلاً عن ذلك، ورغم بعض المخاوف بشأن تدفقات رأس المال، فإن موقف الأصول الأجنبية الراسخ في الصين، والتي بلغت 1.7 تريليون دولار أميركي (17.6% من الناتج المحلي الإجمالي)، يظل كافياً لدعم الصين من خلال هذا الانتقال الصعب.

ويدرك قادة الصين الحتمية الطويلة الأجل المتمثلة في الإصلاح المؤسسي الجاد، حتى مع تسبب المخاوف بشأن النمو المتباطئ في تعظيم إغراء تبني إصلاحات قصيرة الأجل، وتتخذ السلطات تدابير قوية للحد من التلوث، وتحسين كفاءة الطاقة، وتنفيذ إصلاح معاشات التقاعد، وتوسيع القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية والإسكان المنخفض التكاليف.

وبشكل أكثر مباشرة، يلتزم قادة الصين باستئصال سرطان الفساد، والمفتاح إلى النجاح، كما هي الحال مع أي جراحة حرجة، يتلخص في ضمان وجود الأنظمة الضرورية الداعمة للحياة، وفي حالة الصين، فإن هذا يعني الحفاظ على الكم الكافي من السيولة.

وأخيرا، سوف تتطلب التنمية المستدامة الدمج بين المسارين الاقتصاديين في الصين، وبالاستعانة بالنهج الصحيح يصبح من الممكن الحفاظ على الاستقرار النسبي والنمو السريع في كل مراحل عملية الإصلاح، ولا شك أن تجنب الهبوط الحاد لن يعود بالفائدة على الصين فحسب؛ بل سوف يضمن تلبية الاحتياج الشديد إلى النمو والاستقرار في الاقتصاد العالمي.

أندرو شنغ & شياو غنغ

* أندرو شنغ زميل متميز لدى معهد فونغ العالمي، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة البيئي لشؤون التمويل المستدام، وشياو غنغ مدير البحوث في معهد فونغ العالمي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»