الكاتب إريك لارسون، الصحافي السابق، أحد مؤلفي القصص التاريخية التي تكشف ما يدعوه {تفاصيل صغيرة تجعل الراوي يقف ويبدأ بالسير}. تتجلى هذه المقاربة في الروايات غير الخيالية التي حققت أعلى المبيعات: Devil in White City، Isaac›s Storm، In the Garden of Beasts، وThunderstruck. ولا يُعتبر كتابه التالي عن غرق سفينة لوزيتانياDead Wake استثناء.يصدر الكتاب في الذكرى المئة لهذه المأساة البحرية، ويتناول التفاصيل كافة، من رسائل الحب العاصف التي كتبها الرئيس وودرو ويلسون والحاجة إلى لعب الغولف في الأيام التي تلت الكارثة، إلى صور مَن هلكوا في المشرحة، بما فيها صورة امرأة، يبدو حتى في الموت لا تزال تحبس أنفاسها. ومن الطبيعي أن تثير رواية لارسون الأسئلة أكثر مما تقدم الأجوبة، ومن بينها: كيف يمكن لغواصة يوبوت ألمانية أن تغرق السفينة السياحية {لوسي}، علماً أن لا أحد ظنَّ أنها عرضة للاعتداء، مع أنها حُذرت من دخول منطقة الحرب؟ وقد أدى هذا الحادث إلى مقتل 1195 شخصاً من الركاب وطاقم السفينة. من غرفته في الفندق في العاصمة واشنطن التي قصدها لتوقيع الآلاف من كتبه لناشره، تحدث لارسون عبر الهاتف مع كاتب Goodreads جوي هورويتز عن عادات بحثه الشاملة، وأخبره أن بسكويت {أوريو} المحشو بكمية مضاعفة والمصابيح على شكل قردة يشكلان جزءاً أساسياً من عملية الكتابة التي يتبعها.في سيرتك الذاتية البديلة عن الفترة التي أمضيتها في الجامعة، كتبت: «درست الروسية... حاربت البثور بارتداء ملابس داخلية حول رأسي لأبعد شعري عن وجهي، وتخرجت مع مرتبة الشرف». هل يمكننا التحدث عن ذلك؟عندما ترغب في تفادي البثور، التي عانيت منها بشدة خلال السنتين الأوليين في الجامعة، عليك أن تبقي شعرك الدهني بعيداً عن جبينك. ففكرت في ما أملك وقد يساعدني في تحقيق هذا الهدف، هكذا توصلت إلى الملابس الداخلية. أتعلم؟ نجحت هذه الحيلة. لكني اكتسبت سمعة ما في ردهة مساكن الطلاب خلال سنتي الأولى في الجامعة.هذا من أغرب ما سمعته في حياتي، لكنها فكرة جيدة.أنا رجل عملي. وشعاري المفضل عبارة قالها تيدي روزفلت: {قم بأفضل ما يمكنك بما تملك حيث أنت}. وهذا كان أحد الأمثلة على ذلك.قلت إنك تخشى الطيران. لذلك أتساءل كيف تسير جولة كتابك الجديد من هذه الناحية.كما تعلم، يشكل السفر بالطائرة الجهد الوحيد في جولات الكتب الذي يقلقني. أعتقد أن جولات الكتب كانت ستبدو ممتازة لو لم أكن مضطراً إلى السفر بالطائرة. أحاول بشتى الطرق تفادي الطيران. فإن أمكنني قيادة السيارة بين المدن، أقوم بذلك حتى لو استغرقت الرحلة خمس ساعات، مع أن الطيران من الناحية الإحصائية أكثر أماناً. مؤسف أن مناطق كثيرة في الوسط الغربي في الولايات المتحدة تملك تلك الطائرات المحلية الصغيرة، لكنني أكرهها.ألهذا السبب تعتبر Airplane فيلمك المفضل؟كلا، بل لأنه مضحك. هذا الفيلم واحد من نحو ستة أفلام تشكل إرث عائلتنا لأننا لا ننفك نقتبس منها في محادثاتنا.ما الأفلام الأخرى؟بالإضافة إلى Airplane، ثمة Young Frankenstein وHigh Anxiety، فيلم كلاسيكي آخر لميل بروكس، وأحيانا ًDracula: Dead and Loving It وGhostbusters.هل من لحظة محددة أو بحث معين جعلك تقرر كتابة Dead Wake؟أملك عنصراً يفوق الطبيعة في شخصيتي، على ما أعتقد. لكني أبحث دوماً عن إشارة، إلى أنني أسير على الدرب الصحيح. كنت أجريت بعض الأبحاث الأولية عن سفينة لوزيتانيا، إنما لم أكن أكيداً البتة من أنني أود الكتابة عنها. لطالما أثارت لوزيتانيا اهتمامي. لكنني لا أهوى حقاً هذه الأمور. أحب معالجة أفكار أكثر تعقيداً بصراحة، ما يمنع الآخرين من تناول الموضوع ذاته. أما في مسألة لوزيتانيا، فقد أواجه منافساً يحاول سلبي إنجازي هذا.لكن التطور الذي أمال كفة الميزان بالنسبة إلي كان اقتراب ذكراها المئة. كنت سابقاً صحافياً يعمل على مواضيع صعبة. لكني أريد اليوم سبباً يدفعني إلى العمل على موضوع ما. ومع اقتراب ذكرى غرق هذه السفينة، فكرت في أنني قد أتمكن من إنهاء كتابي في الوقت الملائم. لذلك توجهت إلى معهد هوفر في جامعة ستانفورد، حيث يحتفظون بأرشيف صغير عن لوزيتانيا. كنت جالساً أقرأ مجموعة من المخطوطات، حين اقتربت مني امرأة من القيمين على هذا الأرشيف وهي تحمل عصا بيدها، أو بالأحرى قطعة من الخشب. لم أطلبها منها، بل حملتها هي إلي وأرتني إياها. كانت قطعة من خشب أحد قوارب إنقاذ لوزيتانيا، وقد عُثر عليها على الشاطئ قرب جثة أحد الركاب، فتنقلت من مكان إلى آخر عبر السنين لينتهي بها المطاف إلى معهد هوفر. وكانت هذه إحدى اللحظات المميزة التي تتصل بها فعلياً مع الماضي. ففكرت عندئذٍ أن هذا يثير اهتمامي.تسنت لك أيضاً فرصة الاطلاع على صور قتلى لوزيتانيا في المشرحة. فماذا تعلمت منها؟عندما طلبت الاطلاع على الصور في أرشيف كونارد المحفوظ راهناً في جامعة ليفربول، ترددوا كثيراً في السماح لي برؤيتها. ولم أنجح في ذلك إلا لأن أحد القيمين على الأرشيف أحب كتبي. وهكذا حصلت على الإذن الضروري، مع أنهم لم يسمحوا لي بأن أحضر معي آلة تصوير. لكن هذا لم يزعجني.جلست ورحت أتأمل تلك الأشياء. كانت قوية جداً. تضم هذه صور موتى التقطت بعيد وقوع الكارثة. كانوا لا يزالون يرتدون ملابسهم التي اختاروها لذلك اليوم. وفي بعض الحالات، بدوا متأنقين جداً، كما لو أنهم في لحظة من اللحظات كانوا بحالة جيدة وفجأة لم يعودوا كذلك. لكن المهمّ في هذه الصور، وقد يبدو لك ذلك غريباً، أنني أحب دوماً الحصول على برهان يؤكد أن الحادثة وقعت فعلاً. نعلم جميعنا بالتأكيد أن لوزيتانيا غرقت. أقصد بكلامي هذا أن غرق لوزيتانيا يبقى فكرة مجردة. لكني أردت أن ألمس فعلاً مدى وقع هذه الكارثة. وما من أمر يجعلك تختبر وقع هذه الفاجعة أكثر من الاطلاع على هذه الصور. وهكذا لا تبقى هذه المسألة جيو-سياسية. هل دفعنا غرق هذه السفينة إلى دخول الحرب؟ تحولت إلى مأساة إنسانية هائلة الحجم.لا شك في أن وصفك صورة فتاة في الثالثة من عمرها بشعرها المشعث وعلى وجهها نظرة {غضب صافٍ} حتى في الموت يبدو مؤثراً جداً.نعم، وقد فاجأني هذا كثيراً. لطالما اعتقدت أن وجوه الموتى ترتخي. لكني رأيت صورة امرأة بدت حقاً كما لو أنها تحبس أنفاسها. هذا مخيف.يبدو وصفك للرئيس ويلسون مذهلاً حقاً: الحزن الكبير الذي تملكه عند خسارته زوجته وافتتانه بصديقته الجديدة. حتى إن لم يدلِ بأي تصريح عن غرق لوزيتانيا إلا بعد بضعة أيام، ما يُعتبر اليوم مستحيلاً.ذهب للعب الغولف كل يوم. أعتقد أن ويسلون تمتع بفهم فطري لوضع البلد، ما تجلى من خلال رد فعله التلقائي تجاه لوزيتانيا. بدأت العمل على هذا الكتاب وأنا أظن أن ويلسون شخصية قاسية صلبة، على غرار الصورة الشهيرة عن المزارع وزوجته: رجل قاس صلب لا يثير الاهتمام. ولكن فيما رحت أقرأ عنه، وخصوصاً الرسائل التي كتبها لإديث غالت، أدركت أنه كان يملك شغفاً كبيراً. لكنه علق أيضاً أهمية على الحرب وعواقبها، ما أعتبره مهماً نظراً إلى إطارنا الحالي. أدرك ويسلون حينذاك أمراً ما كانت الأمة قد فهمته بعد، ألا وهو عواقب الحرب، وأن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة للحرب. لذلك كان من الضروري أن يكون رد فعله تجاه غرق لوزيتانيا مدروساً.ذهب للعب الغولف لأنه أراد أن تعرف الأمة أنها لم تنهر. فالجو السائد في الولايات المتحدة ظلَّ هو عينه بعد غرق السفينة. لذلك ذهب للعب الغولف وقيادة السيارة. واللافت أن البلد لم يرد الحرب في تلك المرحلة، وهذا ما لاحظته من خلال أبحاثي. يوحي بعض المقررات التاريخية في المدارس الثانوية خطأ أن غرق لوزيتانيا كان القشة التي دفعت الولايات المتحدة في الحال إلى دخول الحرب. لكن الرد الفعلي الأولي كان، في الواقع، في الاتجاه عينه الذي سلكه ويلسون: لا داعي لأن نهلع ونتصرف بجنون حيال هذه المسألة! لنكن متعقلين! لنكن واثقين! وهكذا خرجت بفكرة أوضح عن ويسلون. فقد ضاع تماماً في حبه لإديث غالت.يظهر المحيط في عدد من كتبك. فهو الخطر الذي لاح في الأفق في Isaac’s Storm ووسيلة غزل الشخصيات وزيادة التوتر بينها في Thunderstruck. وها هو يظهر مجدداً في لوزيتانيا، ما يجعلني أتساءل عما يستهويك في أجسام الماء الكبيرة. هل تعيش قرب البحر أم عانيت صدمة ما في طفولتك أو تعاني من رهاب الماء منذ زمن وهو ما يدفعك إلى ذلك؟هذا سؤال مثير للاهتمام. من المؤكد أن هذا غير متعمد. ربما لأنني أملك إرثاً اسكندينافياً. لكن البحر طالما أسرني، خصوصاً أنني ترعرعت في لونغ أيلند. كنت أتوجه إلى شاطئ جونز كلما تسنت لي الفرصة في الصيف وحتى في الشتاء. أعشق شاطئ البحر. أحب المحيط. لا أتخيل أنني قد أعيش في مكان لا يضم مساحة كبيرة من الماء الأزرق. لا أتذكر أنني عانيت صدمة ما، إلا أنني لطالما عشقت البحر والإبحار. وهذا وليد الصدفة.كيف تختار الحوادث التاريخية التي تدور فيها قصصك؟ تجري أبحاثاً معمقة. هل من كم محدد من المعلومات تشعر بأن عليك الحصول عليه كي تقرر اختيار حدث محدد؟ هل فكرت يوماً بكتابة قصة تدور حول اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر؟أولاً، لم أفكر مطلقاً في الكتابة عن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. أعتقد أن كتباً مذهلة عدة تناولت هذه الاعتداءات، منها الخيالي ومنها التاريخي. أشعر بأنني قريب جداً منها. أما بالنسبة إلى الأفكار، فعملية اختيار فكرة ما معقدة جداً. ومن العوامل الأساسية ضرورة توافر محزون عميق ووافر من المواد المحفوظة في الأرشيف. لا أقصد بذلك المواد المتناقلة أو المؤرخة، الدراسات التاريخية، أو كتب الآخرين. أحتاج إلى كم كبير من المواد الموثقة والمحفوظة. وكان هذا أحد الأمور التي شدتني إلى قصة لوزيتانيا. بدا لي العمل عليها ممكناً لأن الموارد المحفوظة كانت غنية ومتوافرة على جانبي الأطلسي. حملت هذه المعلومات عمقاً كبيراً، ما أتاح لي فرصة كتابة عمل غير خيالي يحمل الكثير من الحماسة والتشويق. فاعتبرت كتابة رواية تاريخية غير خيالية بالاستعانة بكل هذه الموارد أشبه بتجربة هيتشكوكية. وهذا بالغ الأهمية. لكن أجهل تماماً كيفية اختياري الأفكار. أبدأ دوماً بورقة بيضاء وسرعان ما أحظى بفكرة ما. أحاول أن أوسع أفق مطالعتي. أقرأ صفحات النعي، وأقع أحياناً على إشارة في رواية ما وأفكر أنني ما كنت أعلم ذلك.قراءة وكتابةأي الكتّاب والكتب أثروا في كتاباتك؟أعشق الشعر والسرد. أما الكتّاب الذين أثروا كثيراً فيّ، فهم هيمنغواي، فيتزجيرالد، شتايبيك، داشيل هاميت، وتشاندلر. فمن ناحية الشعر، أعشق الوضوح والدقة في شعرهم. ومن ناحية الكتابة، فهم الأفضل في رأيي. ولكن ما الذي جعلني أفكر في أننا نملك طريق أخرى أكثر ابتكاراً لكتابة التاريخ؟ يعود الفضل في ذلك إلى ديفيد ماكولو وكتابه The Johnstown Flood. طالعت هذا الكتاب وفكرت: "كل ما يرد فيه حقيقي، ويحتوي على العناصر كافة}.ماذا تطالع راهناً؟لمن أقرأ راهناً؟ أحب مجموعة آني لاموت الجديدة Small Victories. وقد انتهيت للتو من مطالعة Gone Girl. وأنهيت أيضاً كتاب Station Eleven الذي أحببته. وقد طالعت، لغاية الآن، خمس صفحات منLife After Life لكايت أتكنسون.هل يمكنك أن تطلعنا على طقوس عملية الكتابة التي تتبعها وعاداتها؟انتقلنا إلى نيويورك في أكتوبر، وحصلت على مصباحين على شكل قرد في مكتبي، أحبهما كثيراً. يعود هذان المصباحان إلى حقبة ما. يحملان قردة على العمود الذي يحمل القماش المظلل. أعشقهما كثيراً. فهما يذكرانني بحقبة سفن الشحن والضباب حين ساد الافتتان بعوالم بعيدة جداً. يحملان لمحة سوداوية مخيفة بعض الشيء.أما عاداتي فتشمل الاستيقاظ صباحاً لأعد القهوة. كذلك أشعر بالتشاؤم إن لم أتناول بسكويت أوريو المزدوج الحشوة. وهكذا أجلس مع بسكويت أوريو. في الأيام الجيدة، أكتفي بواحدة، وفي السيئة أتناول اثنتين.تذكر في صفحة الشكر في كتابك أن زوجتك تأتي أولاً. فهل هي أهم قرائك؟نعم بالتأكيدهل تكتب لها؟كلا، لا أكتب لها. هذا سؤال مثير للاهتمام. لا أعلم لمن أكتب. أكتب لنفسي، حسبما أعتقد. أكتب أموراً أود أنا أن أقرأها. زوجتي محررة ممتازة بطبيعتها. إنها طبيبة أكاديمية وتتبوأ مكانة مهمة في مجال عملها. لكنها تحب المطالعة، ولديها حس نقدي صائب. احتجنا إلى بعض الوقت كي نكتشف ذلك. فالموقف محرج بعض الشيء، عندما تجلس وتروج زوجتك تعدد الأوجه السيئة في كتابك. وهكذا ابتكرنا أسلوب تدوين الرموز في الهامش. وبهذه الطريقة نتفادى المواجهة.
توابل - ثقافات
الكاتب إريك لارسون: أكتب لنفسي وأتفاءل ببسكويت «أوريو»
17-04-2015