سبق القول إن الحرية المسموح بها في عالمنا العربي هي حرية التأييد للنظام، وحقك كمواطن في اختيار الصورة والأسلوب لإعلان هذا التأييد، هذه هي الحرية المسوح بها فماذا عن الديمقراطية؟

أصل كلمة "الديمقراطية" يوناني، وبدأ استخدامها بالقرن الخامس قبل الميلاد، وتشمل مقطعين "ديموس" وتعني (الشعب) و"كراتوس" وتعني (الحكم)، والديمقراطية تعني حكم الشعب بنفسه، وقد بدأ استخدام هذا المصطلح لمواجهة مصطلح آخر وهو "أرستقراطية" وتعني حكم النخبة، كان هذا في القرن الخامس قبل الميلاد– كما ذكرت- أي منذ أكثر من 26 قرنا من الزمان، وما زال بيننا من يقول إن الديمقراطية جديدة على الشعب العربي ولا يفهمها ولا يمكنه تطبيقها!!

Ad

ومنذ ذلك الوقت ظهرت تعريفات كثيرة للديمقراطية، منها الديمقراطية الليبرالية (المحافظة على حقوق الأفراد والأقليات) والديمقراطية المباشرة (حكم الشعب وتصديقه على القوانين مباشرة) والديمقراطية التمثيلية (سن القوانين والتشريعات وتشكيل الحكومة من خلال ممثلين عن الشعب سبق له اختيارهم)... إلخ.

 هذه التعريفات ودون الدخول في تفاصيل نظرية ترهق القارئ، وباختصار سنكتفي باختيار ثلاثة تعريفات للديمقراطية: حكم الشعب نفسه بنفسه، والتداول السلمي للسلطة، وحق الأكثرية في الحكم مع احترامها لحق الأقلية في التعبير.

فهل الديمقراطية بهذه التعريفات البسيطة مطبقة في عالمنا العربي؟

سيفاجأ البعض إذا علم أنها فعلا مطبقة مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات أو الأحرف، فتداول السلطة موجود فعلا (لا توجد سلطة أبدية)، ولكن فقط بين أفراد النظام الواحد، فأفراد النظام يتداولون السلطة فيما بينهم، والأهم هو المحافظة على النظام؛ لذلك نجد بعض الأنظمة تضحي ببعض أفرادها في سبيل المحافظة على النظام ذاته.

أما الشعب يحكم نفسه بنفسه فيتم استبدال كلمة يحكم بكلمة "يقسم"، فالأنظمة العربية حريصة كل الحرص على تقسيم الشعب إلى جماعات سواء كانت تنفيذية أو سياسية، يختلف بعضها مع بعض، وتدخل في صراعات ومشاحنات، وتستنفد طاقاتها وجهودها في هذه الخلافات؛ لكي ينعم النظام وينفرد بالحكم في هدوء بعيدا عن القلاقل والمنغصات.

وأخيرا فحكم الأكثرية مطبق سواء من خلال انتخابات أو دساتير، وسواء كانت هذه الانتخابات نزيهة فعلا  أم غير ذلك، لكنه في النهاية حكم الأكثرية، وبالنسبة إلى احترام الأقلية فهو أيضا خاص بالأقلية داخل أكثرية النظام، أما الأقلية من خارج النظام فلا احترام لها، ويكفي أن النظام يسمح لها بالبقاء خارج السجون والمعتقلات.

ولو تجاوزنا كل ما سبق وطالبنا فقط ببعض المبادئ، ولو من خلال التعريف المنقوص للديمقراطية الذي تتمسك به الأنظمة... فقط بعض المبادئ كالفصل بين السلطات وسيادة القانون و...إلخ، فهل يمكن أن تستجيب الأنظمة ونرى هذه المبادئ مطبقة؟ أعتقد أنه سؤال تسهل الإجابة عنه.