لسنا ملائكة ولا ينبغي لنا أن نكون، لو أراد لنا مَن أوجدنا أن نصبح ملائكة لخلقنا ملائكة في الأصل، ولن يعجزه ذلك بأي حال من الأحوال.

Ad

نحن بشر، وكل منا مخلوق بمزيج من الخير والشر، لم نخلق ملائكة ولا شياطين، فالذين يظنون أننا لا بدّ أن نتحلّى بصفات ملائكية في هذه الحياة لكي ننعم بحياة نتصالح فيها مع أنفسنا ومعها، أظنهم صعّبوا الحياة وجعلوا التصالح مع النفس مستحيلاً، كذلك الذين اختاروا أن يصبحوا شياطين!

أعتقد أنه لا بد لنا أن نتعاطى مع هذه الحياة في حدود طاقتنا البشرية وليس سواها، لا بد أن نؤمن أننا غير منزّهين ولا مطّهرين من شر يسكننا كبشر، ومن السذاجة أن يدّعي أحدنا غير ذلك، بل إن درجة إنسانيتنا تعتمد على كيفية تعاطينا مع الشر المتجذّر فينا أكثر من طريقة تعاطينا مع الخير الساكن فينا!

كل إنسان في هذه الحياة لا يخلو من بعض الصفات الشريرة، بعضنا ربما أكثر حظّاً من البعض الآخر قياساً بنصيب كلّ منا من تلك الصفات، ليس بحسب نوعها فقط، ولكن أيضاً بحسب حجمها فينا!

ولكن يبقى سؤال الحياة الأهم باعتقادي هو كيف نتعاطى مع الشر الذي خلقنا به؟!

الإجابة الصحيحة لهذا السؤال هي التي ستقودنا إلى التصالح مع أنفسنا ومع الحياة، وهي التي ستمنحنا ذلك الرضى المنشود في داخلنا، وتمنحنا الطمأنينة المبتغاة، وهذا لن يتأتى لنا ولن يكون لإنسان سويّ إلا إذا اطمأن إلى أن الشر الساكن فيه لن يتخطى أذاه حدود ذاته، أي أنه لن يصيب إنساناً آخر!

لا بد أن نكون على يقين بأننا قادرون على منع الشر فينا من أن يصبح شجرة تمتد غصونها وأفرعها إلى حيث تشاء.

إن كان لا بد أن يكون لشرنا من ضحية، لا يمكن أن يكون هذا الضحية شخصاً سوانا، ذلك أضعف الإيمان، أما زيادة الإيمان في هذا السياق، هي في حماية أنفسنا أيضاً من هذا الشر، وإن لم نستطع فيجب علينا أن نجعل الضرر محصوراً فينا!

بعضنا يترك العنان لخيول شرّه تمارس عدوها طليقة في ساحة الآخرين مسببة لهم الألم والجراح، متحججاً بعدم قدرته على كبح جماحها لضعفه البشري الذي خلق معه، وأظن أن ذلك أسوأ أنواع الشر الذي يسكننا، أقصد عندما تتحول خصلة شريرة فينا إلى شهوة لا يمكن مقاومة إغرائها، مع علمنا بما تسببه من أذى لشخص آخر!

عندما نسمح تحت أي عذر للشر الذي يسكننا بأن تمتد يده لتزرع غصن صبار في صدر آخر لا يُنتزع، ذلك يقلل فرصنا في التصالح مع الحياة ومع إنسانيتنا.

قد لا أملك الإجابة عن السؤال الأهم في الحياة، ولكن لا أظن أن طريقه يبدأ بغير ذلك،

أؤمن أن بوابة نجاحنا في العبور من ثقب الحياة الضيّق بالحدّ الأدنى من السلام هو أن نحاول ما استطعنا ألا نترك وشماً دامٍ في قلب آخر!