من بين المهرجانات السينمائية المصرية والإقليمية والدولية، تحول مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط إلى لغز عصي على الفهم، نظراً إلى السلبيات الكثيرة التي تصاحب كل دورة من دوراته، في الأعوام الأخيرة، وكأنه مهرجان تلاحقه لعنة غامضة أقرب إلى لعنة الفراعنة!

Ad

يحدث هذا في الوقت الذي وصل فيه المهرجان إلى دورته الثلاثين (10 ـ 15 سبتمبر 2014)، بما يعني أنه تجاوز سن الطفولة والمراهقة، وتخطى سن الرشد. لكن ما جرى، في الدورة الثلاثين، يوحي وكأنه اقترب من «سن اليأس»، نتيجة الخبرة القليلة التي سيطرت على إدارته، والعشوائية التي ضربت أركانه، والفوضى التي عششت في دهاليزه، فضلاً عن الإصرار على الدفع بالعناصر الشابة، التي تفتقد الخبرة والمرونة، والاستغناء بشكل لا يخلو من تعنت عن أصحاب الخبرة، ممن تنظر إليهم إدارة المهرجان بوصفهم «الحرس القديم»، الذي ينبغي التخلص منهم فوراً ومن دون إبطاء! لا يمكن، بالطبع، تجاهل الروح الطموح التي تُحرك الإدارة الجديدة، والرغبة في التغيير التي تسيطر على أفكار رجالها، لكن ثمة عجلة في التطوير انعكست سلباً على نواح كثيرة في المهرجان، على رأسها الاهتمام المبالغ فيه بإقناع النجوم المصريين، وأنصافهم، بتلبية دعوة الحضور، والتغاضي عن العناصر الرئيسة التي تُسهم في إنجاح أي مهرجان؛ مثل الأفلام ولجان التحكيم، وكأن الهدف من إقامة الدورة تلو الأخرى أن يحظى المهرجان بأكبر قدر من «البروباغندا» الإعلامية التي تفرض نفسها في وجود النجوم على حساب الأهداف الحيوية التي تأسس المهرجان لأجل تحقيقها، وعلى رأسها «نشر الثقافة السينمائية، والتعريف بمدى التقدم الذي أحرزته الفروع السينمائية المختلفة، وتوثيق العلاقات بين سينمائيي العالم بوجه عام، ودول البحر المتوسط بوجه خاص»، حسبما جاء في البند الأول من لائحة مهرجان الإسكندرية السينمائي!  

مع انطلاق الدورة الثلاثين، أكد رئيس المهرجان أن التظاهرات المختلفة ستتضمن عرض قرابة 125 فيلماً من 28 دولة، وقبل أيام من الافتتاح تم الإعلان عن تقليص مدة المهرجان لتصبح ستة أيام بدلاً من سبعة، ولم يسأل أحد نفسه: «كيف سيمكن عرض هذا العدد الضخم من الأفلام في هذه الفترة الزمنية المعدودة ؟»، وجاءت الإجابة أسرع مما توقعنا؛ فالمسابقة التي حملت اسم الرائد محمد بيومي، وضمت تسعة أفلام تسجيلية و26 فيلماً روائياً قصيراً، وقيل إنها استهدفت الاحتفاء بشباب الإسكندرية، وإثراء الحركة السينمائية السكندرية، بدأت وانتهت في الفترة من 1 إلى 5 سبتمبر، أي قبل افتتاح الدورة الثلاثين، وبالتالي لم يشاهد الأفلام سوى أصحابها، ولجنة التحكيم (!) وفي حين صدر قرار بإلغاء مسابقة الأفلام «الديجيتال»، من قبيل عدم التعارض مع مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، أقيمت مسابقة للأفلام العربية القصيرة والتسجيلية، وأخرى لأفلام دول البحر المتوسط القصيرة والتسجيلية!

وجود خمس مسابقات في المهرجان (الأفلام الروائية الطويلة لدول البحر المتوسط، الأفلام القصيرة والتسجيلية لدول المتوسط، الأفلام العربية القصيرة والتسجيلية، مسابقة محمد بيومي ومسابقة ممدوح الليثي للسيناريو) نتج منه تشكيل خمس لجان تحكيم ضمت 24 عضواً، وهو العدد الأكبر الذي تضمه دورة واحدة في تاريخ المهرجانات السينمائية قاطبة، ما انعكس سلباً على اختيار المحكمين، وكان سبباً في الاستعانة بأسماء ليس لها أي باع في الحقل السينمائي، لمجرد ملء المقاعد الشاغرة أو مجاملة أصحابها، الأمر الذي أساء كثيراً إلى صورة وهيبة عضو لجنة التحكيم!

سياسة «الحشو» أو ملء الفراغ، فضلاً عن المجاملة الصارخة، كانت سبباً، أيضاً، في تفريغ فقرة التكريم من هدفها الإنساني النبيل، فأي فرحة تلك التي يشعر بها فنان يكتشف أنه مُكرم وسط سبعة أشخاص آخرين؟ وما الضرورة القصوى إلى تكريم خمسة مخرجين عرب في دورة واحدة (المصري داود عبد السيد، التونسي الطيب الوحيشي، اللبناني صبحي سيف الدين، الفلسطيني هاني أبو أسعد، السوري محمد ملص (ألغي تكريمه بسبب منعه من دخول مصر!) بالإضافة إلى النجمة نادية الجندي والمطرب محمد منير والمنتج الإيطالي أوجستو بيليتشيا؟ بل كيف تضع إدارة المهرجان خمسة مخرجين في قائمة المكرمين من دون أن تتذكر أن ثمة مدير تصوير أو كاتب سيناريو أو فنان مونتاج أو ناقد يستحق أن يلحق بقائمة التكريم؟

الطريف أن إدارة المهرجان أفرطت في التكريم تحت مسميات عدة؛ فالدورة مهداة إلى النجم نور الشريف، وبدلاً من الاكتفاء بهذا لجأت إلى تكريمه، وثمة احتفالية تكريم لشارلي شابلن، وأخرى للمخرج الفرنسي ألان رينيه، ورابعة في صورة «نظرة على السينما الجزائرية»، كذلك اختيرت فرنسا كضيف شرف، ومن دون سبب تم إلقاء الضوء على «سكندريات يوسف شاهين»، وكأنها «حفل تأبين»!