مع تعاقب أكثر من وزير على حقيبة الوزارة خلال فترة وجيزة، لا تزال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تعيش حالة من عدم الاستقرار، إذ يعتبر التغيير الوزاري من أهم أسباب الفوضى الإدارية التي تعج بها مختلف قطاعات الوزارة التي يغلب عليها طابع الواسطة والمحسوبية بشكل لافت.

Ad

مرحلة حرجة

في 26 أكتوبر الماضي دخل وزير العدل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع التشكيلة الحكومية ليتولى هذه المسؤولية في مرحلة حرجة مثقلة بالهموم والتحديات التي تتطلب مواجهات جريئة وقرارات أكثر جرأة، لاسيما أن الوزارة على مدى سنوات طويلة كانت بمنزلة حلبة لصراعات أقطاب وتيارات مختلفة تتنافس وتسعى بكل ما أوتيت من قوة للسيطرة على أهم الإدارات الحيوية التي تعتبر العصب الرئيسي للوزارة، من هنا يتيقن المراقب للوضع العام في الوزارة أن مهمة الوزير الصانع لن تكون سهلة كما يتصورها هو شخصيا أو المقربون منه، خصوصا مع وجود أحزاب لها تأثير كبير ونفوذ واسع في العديد من القطاعات.

مجلس الوكلاء

وعلى الرغم من قصر المدة في الحكومة، فإن الوزير الصانع رفع راية التحدي في أكثر من مناسبة أمام القياديين، معلنا عزمه إصلاح الخلل الذي تعانيه الوزارة منذ سنوات، وتجلى ذلك بكل وضوح بعد إصداره قرار إلغاء مجلس الوكلاء الذي مضى على تشكيله 18 عاما، وذلك في السابع من ديسمبر الجاري، وهي خطوة لاقت ردود أفعال واسعة بين مؤيد ومعارض سواء داخل أو خارج الوزارة وعلى الصعيد البرلماني أيضا، إذ رحب عدد من أعضاء مجلس الأمة بهذا القرار، كما وصفه البعض بأنه قرار مستحق ومن الخطوات الإصلاحية التي تحسب للوزير الصانع، خصوصا أن هذا القرار وضع كل قطاع أمام مسؤولياته، حتى يتحمل كل قيادي مسؤولياته المباشرة حسب تصريحات بعض النواب، وفي المقابل كان هناك شعور بالإحباط من بعض الوكلاء المساعدين الذي بدأوا يشعرون بفقدان مجلس يمثل حلقة من سلسلة الفساد الإداري الذي تعيشه الوزارة، خصوصا أن وجود المجلس يمثل فرصة لتبادل المصالح بين بعض القياديين.

مركز الوسطية

بعدها بأيام قليلة فقط، أعلن الوزير نقل تبعية مركز الوسطية الى إدارة تابعة لمكتب الوزير مباشرة، مؤكدا ان "واقع مركز الوسطية هو هدر مالي، ولأهمية الوسطية قمت بتحويلها إلى من مركز باطل قانونيا وبعيد عن قانون ديوان الخدمة الوطنية إلى إدارة أشرف عليها شخصيا حتى أراقب التقدم الذي يحدث بها وأرصد ما يحدث وأيضا لتحقيق الرغبة السامية لحضرة صاحب السمو بأن يكون لدينا مركز للوسطية".

 ولعل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية والأوقاف بالوكالة السابق الشيخ محمد الخالد مهّد الطريق أمام الصانع ليصدر مثل هذا القرار المهم، وذلك بعد أن قام الخالد بزيارة إلى المركز العالمي للوسطية فوجئ خلالها بالكثير من المخالفات التي تستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة، وبالفعل جاء أول ردود الأفعال سريعا تمثل بإعفاء الدكتور عادل الفلاح من إدارة المركز، وتعيين الوكيل المساعد للشؤون المالية والإدارية فريد عمادي بديلا عنه.

مواجهة القياديين

في أكثر من مناسبة، توعّد الصانع بمواجهة المخالفات الجسيمة في "الأوقاف" بكل حزم من خلال لجنة التحقيق التي شكلت لمتابعة الملاحظات وكذلك إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للوزارة ومعالجة الاختلالات القائمة، وهي بلا أدنى شك خطوات إصلاحية إذا كان الهدف منها معالجة الأخطاء التي ارتكبت في مرحلة سابقة كانت تعاني فيها الوزارة، لكن إذا كانت تصب في مصلحة فئة ضد أخرى أو تيار ضد آخر، خصوصا أن بعض مسؤولي الوزارة يرون أنها قرارات تفتقر إلى التشاور وتؤكد مركزية الوزير في اتخاذ القرارات، وبالتالي فإن الوزير سيكون في مرمى بعض القياديين الذين إن اختلفوا في توجهاتهم وأفكارهم إلا أن المصلحة ستجمعهم بكل تأكيد، وسيواجه الصانع حملة من أطراف متعددة تحاول منعه من المضي في نهج غريب لم تألفه الوزارة منذ سنوات، وهو أمر متوقع خلال الأشهر القليلة المقبلة.

الاختبار الحقيقي

يبقى أمام الوزير الصانع قضية مهمة يتضح خلالها مدى قوته في مواجهة القادم من الأيام، وهي تدوير مديري الإدارات، والتي كانت محل اهتمام واسع وكبير خلال تولي الوزير الأسبق شريدة المعوشرجي مسؤولية الوزارة، فبعد أن أعلن المعوشرجي أن التدوير سيشمل الجميع، ضجت الوزارة وبدأ الخوف يسيطر على الجميع، ما اضطر الكثيرين إلى مناشدة النواب في مجلس الأمة للضغط على الوزير خلال تلك الفترة لتأجيل الموضوع، وهذا ما تم بالفعل، لذا فإن الاختبار الحقيقي للصانع هو جديته في اتخاذ مثل هذه القرارات، خصوصا أنها كانت ولا تزال حبرا على ورق، فهل يستطيع الوزير الاستمرار في هذه السياسة أم سيرضخ لضغوط قيادات الوزارة؟!