يقول ربيع علم الدين: {أستاء مما يُعتبر أدباً عظيماً وما يُصنف لطيفاً وغريباً}. يؤكد الكاتب اللبناني-الأميركي ربيع علم الدين، الذي حضر إلى نيويورك ليحاضر في Symphony Space، أنه يكتب ليبرهن خطأ الآخرين. لذلك بعدما اعتبرت الشخصيات العربية، في كتبه السابقة، {حيوانات أليفة غريبة}، يذكر أن روايته الأخيرة An Unnecessary Woman (امرأة غير ضرورية)، التي رُشحت لجائزة الكتاب الوطني، تبتعد عن: الصور المجازية». تعدد الأبعادالمرأة التي يشير إليها عنوان الرواية هي عليا، عجوز انطوائية في الثانية والسبعين من عمرها تعيش في بيروت وتمضي نهارها في ترجمة الكتب إلى العربية. تبدأ عليا مشروعاً جديداً في شهر يناير، وعندما تنتهي تخزن أعمالها في علب في غرفة الخادمة الفارغة من دون أن يطلع عليها أحد.ما من أمر لطيف أو بسيط بشأن شعر عليا الذي اتخذ اللون الأزرق صدفة، حسها الفكاهي الجارح، ووحدتها، أو حتى بندقيتها الكلشنكوف الرشاشة. يحفل الكتاب (يشكل العنوان إشارة إلى الفنان والكاتب البولندي برونو شولتز، الذي أبقاه النازيون على قيد الحياة في منطقة دروغوبيتش لأن القائد أراد لوحة جدارية في غرفة نوم ابنه، فجعله فنه «يهودياً ضرورياً») بالخواطر الذكية عن حياتها وأدبها، وبالذكريات والأفكار التي تصف حياتها في بيروت.إلا أن الرواية قد تكون الأقل ارتكازاً على البنية بين كتب علم الدين. فقد كتب روايته الثانية I, The Divine، التي استلهمها من رواية إيتالو كالفينوIf on a Winters Night a Traveller، بالكامل في الفصول الأولى. أما روايته الأولى Koolaids، فاعتمدت على المقاطع الوصفية القصيرة التي ارتكزت على وباء الأيدز في سان فرانسيسكو المتزامن مع الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي.يخبر علم الدين، الذي يعيش في سان فرانسيسكو، أنه يتكيف مع الحياة في الولايات المتحدة (حيث لا ينتمي)، إلا أنه ينتمي إلى بيروت (حيث يعجز عن التكيف). يعيد الكاتب، الذي يتقن الأدب المتعدد الأبعاد، هذا الواقع إلى حياته الخاصة: ولد في بيروت، إلا أنه تابع دراسته في إنكلترا والكويت. برع في الرياضيات، وانتهى به المطاف إلى دراسة الهندسة. حاول العمل في هذا المجال، إلا أنه كرهه. ثم حصل على شهادة في إدارة الأعمال في كاليفورنيا. وعاد مجدداً إلى الجامعة لدارسة علم النفس السريري. بعيد ذلك، تحوَّل علم الدين إلى رسام، مقدماً عروضاً منفردة في نيويورك ولندن، قبل أن يتخلى عن الرسم في سبيل الكتاب وينشر Koolaids عام 1998.ذاعت شهرته حين نشر روايته الثالثة {الحكواتي} عام 2008. ينتقل البطل فيها، أسام الخراط، من لوس أنجليس إلى بيروت ليبقى قرب والده الذي ينازع. يضمّن علم الدين روايته هذه سلسلة من الشخصيات التي تسرد القصص خلال سهرها قرب المريض.طفولة مميزةوصف الجميع هذه الرواية بالتأكيد بالنسخة العصرية من «ألف ليلة وليلة». يقول علم الدين: «صحيح أنني أحببت كثيراً النقد الذي حظيت به رواية الحكواتي، إلا أن الجزء الأكبر منه تمحور حول «انظروا كم هم غريبون هؤلاء الأشخاص! أليس هذا ممتعاً؟ يشبهون شهرزاد». يشكل العرب في الغرب اليوم الآخر».مشروع أدبي جديد عن الحربعندما كان علم الدين صغير السن، استمد الوحي من كتب مثلA House for Mr. Biswas لفيديادر سوراجبراساد نيبول وMidnight’s Children لسلمان رشدي. يوضح: {قد يبدو هذا غريباً، إلا أنه لم يكن كذلك. جعلني أشعر أنني جزء من جنس بشري أشمل. بدت لي هذه التجربة مختلفة عن قراءة توماس هاردي مثلاً، مع أني أحب أعماله كثيراً. يتناول كلا الكتابين كيفية العيش بكرامة وإنسانية. ولا شك في أن مطالعة أعمال رشدي كانت مميزة لأنها أظهرت لي أننا نستحق أن يُكتب عنا}.انتقد البعض واقع أن عليا في الرواية لبنانية، إلا أنها لا تتحدث عن الكتاب اللبنانيين أو العرب، بل تجد معنى لحياتها كمترجمة للأعمال العالمية. ينبع ذلك من ثقافة علم الدين الخاصة في لبنان، حيث صاغت الأعمال الأدبية الفرنسية والإنكليزية قراءاته.يخبر: {طالعت أعمال شكسبير حين كنت في الرابعة عشرة من عمري لأن هذا ما تعلمناه. أعتقد أن هذه مشكلة متبقية من زمن الاستعمار. وفي المدارس في لبنان، لم يُسمح لنا بتكلم العربية خلال الفرص، إما الفرنسية أو الإنكليزية. فقد ساد الاعتقاد للأسف أن الإنسان المثقف يُتقن لغة أجنبية}.لا تشكل طفولته في لبنان مجرد إطار روائي. فبصفته كاتباً من الشرق الأوسط، يتذكر، باستمرار، إرثه هذا كلما سأله الناس عن الوضع السياسي المتردي راهناً في المنطقة. لكن هذا يزعجه: {لا أحد يسأل أبديك (Updike) مثلاً عن الوضع السياسي في الولايات المتحدة}.يخبر أنه عندما يعتلي المنبر ليتحدث عن أعماله، يُسأل غالباً عما إذا كان يظن أن الشرق الأوسط سينعم بالسلام. فيجيب: {لا أعلم. ما رأيك في إسرائيل؟، لمَ تطرحون علي سؤالاً مماثلاً؟}.رغم ذلك، يدور مشروعه التالي حول لبنان. فقد سافر إلى بيروت لإجراء مقابلات مع اللاجئين السوريين. يقول: {وصل عدد اللاجئين السوريين إلى مليون في لبنان، الذي يعد 4 ملايين نسمة. كيف نحل هذه المشكلة؟ لا أملك أدنى فكرة. ولا أعرف ما يحدث}. لكنه يستطيع بالتأكيد أن يكون شاهداً.يتمحور عمله الخيالي التالي حول التذكر: {تذكر الأصدقاء الذين ماتوا وكيفية التعاطي مع ذلك}. وعند التحدث عن الحروب والخسارة، يسأل عما يجعل الناس يتحملون هذا الشعور. يقول، مقلداً أصوات المتعاطفين الزائفين: {يردد الناس: هذا رهيب! هذا رهيب. ومن ثم يواصلون حياتهم بشكل طبيعي}.
توابل - ثقافات
ربيع علم الدين: عرب الغرب هم {الآخر} اليوم
25-01-2015