{أنا عمر فروخ، أنظر إلى الثقافة من جانبها الإنساني، وأدرك أن قومي المسلمين قد أدوا في تاريخ الحضارة قسطاً عظيماً، ديناً ولغة وعلماً وفلسفة وسياسة. وأنا مؤمن بأن المجد الذي بلغ إليه العرب بالإسلام هو مجد أسلافي}، قال عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن فروخ مفتخراً بأسلافه. العلامة والمؤرخ اللبناني أحد الذين تفخر بهم الذاكرة فلا تنساهم. ولما كان لا بد دائماً من البحث في قديم الكتب عن المفيد منها لإعادة نشره ومن ثم ردم الهوات بين قارئ اليوم وكتب الأمس، فإن هدف مشروع {طي الذاكرة} جاء لافتاً إذ أصدر لفروخ أخيراً كتابين في كتاب بعنوان {العرب واليونان وأوروبا قراءة في الفلسفة}.

Ad

يتكوّن الكتاب الأول {العرب والفلسفة اليونانية} من مقدمة وستة فصول، وقد وصفه المؤلف على أنه دراسة موجزة تتناول الفلسفة اليونانية في الدرجة الأولى، وتؤكد منها ناحيتين اثنتين: أولاهما رسم صورة واضحة لهذه الحركة العظيمة في تاريخ الإنسانية، وثانيتهما إبراز أثر تلك الآراء التي كان لها فيما بعد تأثير ظاهر في الفلسفة الإسلامية. وفي صفحات الكتاب يقوم المؤلف بتعريف الفلسفة، والفلسفة اليونانية خصوصًا، مبرزًا ومعرّفًا بأشهر مدارسها وأهمّها، من قبيل الأيونية والفيثاغورية والإيلية والطبيعية. ومن ثمّ يتحدث عن أسباب ازدهار الفلسفة في اليونان دون سواها، وكذلك عن أسباب انحدارها لاحقًا، موضّحًا أثر هذه الفلسفة في الفكر العالمي، مبرزًا الطرائق التي وصلت عبرها إلى الشرق. ويختتم الكتاب بالحديث عن بواعث نقل الفلسفة اليونانية إلى العربية، وعن أبرز من قاموا بنقلها.

فضل العرب

أمّا الكتاب الثاني {أثر الفلسفة الإسلامية في الفلسفة الأوروبية} فيتكوّن من ثلاثة فصول رئيسة، يستهلها الكاتب بطرح سؤال: لا شك في أنّ للعرب فضلًا على العلوم والفلسفة، ولكن ما درجة هذا الفضل في التاريخ البشري؟ ويبدأ الكتاب بعرض حال أوروبا في القرون الوسطى، وأبرز الميادين التي التقى فيها الشرق بالغرب، وهي الأندلس وصقلية والساحل السوري المصري. وفي الفصل الثاني يوضح فروخ فضل العرب على الفلسفة، وأثر العرب في مجموع الفلسفة الأوروبية الوسيطة؛ ليختم الكتاب في الفصل الثالث بالحديث عن ثلاثة من المفكرين الغربيين في العصور الوسطى تأثّروا بالفلسفة الأوروبية وهم: موسى بن ميمون، وألبرت الكبير، وتوما الأكويني، ويستعرض المؤلف حياة كل منهم، مبرزاً أهم مصنفاتهم وأبرز آرائهم، وكيف كان لقاؤهم بالفلسفة العربية.

نبذة

ولد المؤلف عمر فروخ في عام 1906، وتوفي في عام 1987. درس في الجامعة الأميركية وتخرج فيها عام 1924، ثم مارس التعليم في كل من نابلس والمقاصد الإسلامية في بيروت. في عام 1935، توجّه إلى ألمانيا حيث حصل على الدكتوراه، ليعود لاحقاً إلى بيروت ويتابع التعليم في مدراسها وجامعاتها.

الدكتوراه حازها فروخ في الفلسفة. آنذاك، اقترح على أستاذه {هال} موضوعات عدة، استحسنها الأخير ثم قال له: يعتقد نفر من المستشرقين أن الإسلام لم يكن له نفوذ أول الأمر وأن هذا النفوذ الديني الشهير للإسلام هو من صنع المؤرخين العباسيين، وإن الشعر العربي المعاصر للدعوة الإسلامية لا ينكشف على أثر للإسلام بين العرب}. ثم سأله: {هل تستطيع يا عمر نقض هذا الرأي؟}. لم يترك فروخ شاهداً إلا وجاء به، ليصبح موضوع أطروحته {الإسلام كما يظهر من الشعر العربي من الهجرة إلى موت الخليفة عمر بن الخطاب}.

لعمر فروخ أكثر من مئة كتاب مطبوع، بين الفلسفة والتاريخ والأدب، أبرزها: {تاريخ الأدب العربي (6 مجلدات) تاريخ الفكر العربي، التبشير والاستعمار، الأسرة في الشرع الإسلامي، تجديد في المسلمين لا في الإسلام، العرب في حضارتهم وثقافتهم، التصوف في الإسلام، عبقرية اللغة العربية، العرب والفلسفة اليونانية، الإسلام والتاريخ}... وكتب كثيرة في التراجم، وكتب مدرسية للمرحلة الابتدائية وأخرى للمرحلة الثانوية، في اللغة العربية والفلسفة والتاريخ.

في كتابه عن {الأسرة والتشريع الإسلامي}، أظهر أن التشريع بني أول الأمر على الأخلاق والعقل والفائدة الاجتماعية، ولم يكن أداة استعباد للمسلمين. وحاول في كتابه جمع أقوال أصحاب المذاهب كلها ما أمكنه، لاعتقاده أن المذاهب {أبواب اجتهاد} وأكد في كتابه ان التشريع لم يكن من حق الحاكم بل من حق العلماء، وأن التشريع الفردي هو ما أدى إلى الاستبداد.

وكان فروخ يرى أن الإسلام ليس بحاجة إلى تجديد بل {هم المسلمون وعدد كبير من فقهائهم}. مبينا في كتابه: {تجديد في المسلمين لا في الإسلام} إن عمل المصلح في الدين هو أن يقرب التعاليم من أذهان الناس لا أن يجعل من الدين نفسه حقل اختبار ولا أن ينشر كل يوم على الناس {ديناً جديداً}.

والتجديد، بحسب عمر فروخ، إنما يكون في المعاملات التي تتغير مع الإنسان بتغير الزمن. أما العبادات فإن الدين نفسه جعل لها نوعاً من الرخص، والعقائد هي الأسس التي تجعل كل دين يختلف عن دين آخر، والإسلام في هذا أيسر الأديان وأقربها إلى العقول وإلى الحياة.