منذ أكثر من ثلاث سنوات بدأت سلسلة مقالات حملت عنوان "رؤية سيريالية في القضية الفلسطينية" بلغت ثمانية عشر مقالاً غير هذا المقال.

Ad

ما جرى على القضية الفلسطينية من تطورات جعل تفاصيلها متشابكة بما يصعب فهمه أو الفكاك مما نصب لها من كمائن وما تعرضت له من انتكاسات مريعة أصابت الفرد الفلسطيني في مقتل حقيقي، وكان هو الذي يدفع ثمن الأخطاء التي ارتكبها رموزه الوطنية ممثلةً في كل التجمعات الفئوية، ولا نستثني الذين لا نسمع لهم صوتاً ولا نرى منهم فعلاً.

ليس بالتجني، ونحن نرى أن ما يقوم به الساسة الفلسطينيون في اتجاه إقامة الدولة هو سياسات متخبطة تكاد تغيب فيها الرؤية الواضحة، هم يركنون إلى المزيد من الدوران حول أنفسهم دون بصيص أمل ينبئ عن انفراج حقيقي يجعل المواطن الفلسطيني يطمئن إلى استقرار وضعه المعيشي، وقد طال انتظاره حلاً لكل مناحي حياته (اجتماعياً وصحياً واقتصادياً... إلخ).

نعرف أن السياسة الفلسطينية تصطدم بجدار صلب، ومن كل اتجاه تقصده "السلطة الفلسطينية" الممثل الذي يعترف به العالم، ورغم هذا فلا نجد أن لديها الجرأة على اتخاذ فعل مؤثر بحجم القضية يقلب الطاولة على رؤوس كل الذين فرضوا أنفسهم "طرفاً" في القضية، أو "استعانت بهم السلطة" كي يعاضدوا موقفها، والذين ثبت أنهم أكثر منها ضعفاً وخضوعاً أمام الأحداث الكبرى التي واجهها الشعب الفلسطيني.

 فأين السيريالية في القضية؟!

التناقض في التعامل الفلسطيني- الفلسطيني يشكل ظاهرة مخيفة، بل مرعبة، فهو بحاجة إلى توافق، لأنه المخرج الذي يقوي موقف السياسي الفلسطيني، وسيجد الشعب كله صفاً واحداً خلف هذا التوافق، فلماذا التأخر أو التهرب من هذا الاستحقاق؟ ولمصلحة من؟!

 التناقض، فيما نسمعه ونشاهده عبر الفضائيات من تلاسن وفضائح، ولنكن أكثر صراحة من هذا "الردح" بين التنظيمات التي صدمتنا كثيرا وشغلتنا أكثر ونحن نتابع لسنوات ما يقال عن أنه "توافق" فلسطيني و"مصالحة" بدا منها تفاصيل مؤملة للفلسطيني المعني بالدرجة الأولى بهذا التوافق، ولكن سرعان ما تبددت كل الآمال ورجعنا إلى مربع الانقسام والخلافات الأول!

 "نَسَفَ" هذا الأمل الحادث المريع الذي وقع مؤخراً بمناسبة ذكرى وفاة ياسر عرفات وتدمير بعض سيارات لقياديين من "فتح"، والذي قام على أثره الناطقون الرسميون للجهتين "فتح وحماس" بمبارزة كلامية لا تنم عن وعي سياسي ولا أخلاقي نحو الشعب الفلسطيني وقضيته.

 بل إن "أبومازن- رئيس السلطة) أشار في خطابه بوضوح إلى أن "حماس" هي من قام بهذا الفعل! فماذا نفهم من هذا إلا أن ما يصلنا حول المصالحة إنما هو ذر للرماد في عيون الشعب المعذب، والواقع تحت حصارين من الداخل والخارج، ومن سياسة غير واضحة المعالم رغم كل هذا الضجيج اليومي.

الحوار بين الطرفين كمن يعصر الماء أو يحصد الريح! وهذا أمر سيريالي للواقع الفلسطيني، فلا الماء تمسكه الأكف، ولا الريح تثبت في مكان.

 الغريب فيما تناقلته وسائل الإعلام هو أن إسماعيل هنية قد اتصل بمحمود عباس، معزياً في وفاة الوزير "أبوعين" الذي استشهد في مواجهة مع جيش الاحتلال، والغريب أن التعزية جاءت كأنها بين "دولتين" صديقتين تقوم إحداها بواجب دبلوماسي تجاه الأخرى! ليتجاوب معها الطرف الثاني بنفس المفهوم، مما أوحى بنفس الإحساس عند المواطن الواعي!

وهذا الأقرب إلى التوافق الغريب في تأكيد حالة الانقسام دون النطق به، ولكن هذا السلوك كشف ما في باطن كل طرف، وهو يسعد به، لأنه يرضي غروره، وليقضي ما تبقى من الشعب في حرب أخرى يتعرض لها نتيجة تصرفات حمقاء.

 وقد تناقلت الأخبار أن عرضاً عسكرياً مهيباً لحركة "حماس" أقيم في غزة الأحد الماضي، وأن أبوعبيدة الناطق العسكري باسمها، ألقى كلمة خلال عرض القسام في ذكرى انطلاقة حماس الـ 27.

 أليست الأموال المصروفة في إحياء ذكرى أو مناسبة، مهما عظمت قيمتها، يمكن توفيرها لقضاء احتياجات الذين دمرت بيوتهم الحرب وأسكنتهم المدارس، ولو في هذا العام كحالة استثنائية؟!

وهل ستبقى القضية في وضعها السيريالي هذا إلى ما لا نهاية، بينما يتلقفها أبناؤها الذين لا نشك في إخلاصهم، وإن اختلف معنا الكثيرون؟ فسيرالية الوضع تأتي من ظاهر القول الجميل وباطن الفعل النقيض، فليس كل ما نسمعه حقائق، وليس كل ما نراه.. وهماً!

* كاتب فلسطيني - كندا