تنحت نادين أبو زكي معصوبة العينين وتركز على الذات الداخلية مستبدلة حاسة البصر باللمس. تتساءل حول دور الصورة كأداة معاصرة والفعل المادي للمس في الإبداع الفني. ماذا يعني النحت من دون جسد؟ التواصل من دون جسد؟ الرغبة من دون جسد؟ تدعو نادين في معرضها إلى اللمس والاختبار والتفاعل في الظلام مع منحوتاتها التي تتفلت من عنصر المكان وتحلق بعيداً في معنى الوجود والحياة...

Ad

حائزة دكتوراه في الفلسفة التوحيدية، وجائزة الأكاديمية الفرنسية، تتمتع أبو زكي باندفاع لا يكل نحو النحت، فتبتكر تيارات ومدارس نحتية منطلقة من الشكل الهندسي الذي ينقلها بعيداً في عوالم اللامحسوس والأحلام وحتى الذكريات... كل ذلك ضمن أسلوب بنائي معماري تجريدي،  يتخذ أشكالا هندسية متنوعة، يتقدمها البناء العمودي.

لنادين ارتباط عاطفي بلغة الدوائر والخطوط التي تحمّلها تناقضات مشاعرها ونبض قلبها، إلا أنها لا تطلق أسماء على منحوتاتها، تاركة للمتلقي أن يفسّرها كما يريد ويتفاعل معها وفق حالاته النفسية.

أشكال إنسانية

منحوتات نادين أبو زكي تعكس الجسد وتفاعلاته مع الفرح والحزن والألم والأمل، ففي عرفها أن الإنسان محور الوجود ومحركه، بالتالي أي تفاعل مع هذا الوجود يمرّ عبره. فهي طالما استهوتها الأشكال الإنسانية وغاصت في مكنوناتها.

يتضمن المعرض مجسمات خشبية تتماوج فيها لعبة الضوء والظل، فضلا عن تجارب نحتية مستقلة بذاتها، ترافقها أصوات تتفاعل مع حاستي اللمس والبصر، واللافت أن منحوتات كثيرة تتمحور حول معاناة المرأة وقضاياها الشائكة، ولا عجب في ذلك فالنحاتة  ترأس منتدى « المرأة العربية والمستقبل» ورئيسة تحرير مجلة «الحسناء» اللبنانية، بالتالي هي متعمقة إلى حد كبير بكل ما يمس المرأة الشرقية وصراعها مع عالمها الداخلي والخارجي، وتجاذباتها الاجتماعية والطبيعية.

تتوزع منحوتات نادين أبو زكي بين خشبية وحجرية وتنبض بالثورة في داخلها المدافعة عن قضية الإنسان والحريصة على مخاطبة المتلقي باللغة التي تحاكي عمق أحاسيسه...

يرافق المعرض فيديو من توقيع موريال أبو الروس، وهو تعبيري لا تتزاحم فيه الصور والأحداث، تتنوع مشاهده الداكنة والمكررة بين أصوات دعسات على الرمل أو الحديد أو أكياس الماء أو صفعات الريح على الشبابيك والشرفات أو صفير الهواء... نفذها الفنان زيد حمدان.

بين النحت والكتابة

لا تعود علاقة نادين أبو زكي بالنحت إلى الطفولة، كما سائر الفنانين عموماً، بل اكتشفت هذا الفن لاحقاً لدى دخولها الجامعة، فترددت إلى محترفات كبار النحاتين في لبنان من أمثال عارف الريس، منى السعودي وسامي الرفاعي، وتابعت دورات في الرسم في كلية الفنون الجميلة التابعة للجامعة اللبنانية.  تزامن ذلك مع متابعتها تخصصها الجامعي، فحازت دكتوراه في الفلسفة في جامعة السوربون في باريس (2005)، وقبلها ماجستير في الفلسفة في جامعة القديس يوسف في بيروت (1998).

أقامت معارض فردية في بيروت من بينها:  {هذا يرى وذاك يفعل} و{أبراج الصمت}، وشاركت في سمبوزيومات  في دبي، وفي منطقة عاليه في لبنان. كذلك شاركت في معارض جماعية من بينها:  {معرض الخريف الرابع والعشرون}، معرض {النحت في لبنان}، معرض {حوار الحضارات} في بيروت.

تزين منحوتاتها الأماكن العامة والمؤسسات من بينها منحوتة {المسافر} وهي معروضة  أمام وزارتي السياحة والإعلام في شارع الحمرا – بيروت، وقد اختارتها وزارة السياحة، وهي ترمز إلى فكرة السفر في زمن العولمة.

حازت نادين المرتبة الأولى في مسابقة الشعر العالمي باللغة الفرنسية عام 2000.

منذ أمسكت الإزميل للمرة الأولى، استهوتها الأشكال الإنسانية وعبرت عنها بأشكال هندسية بنائية عمودية، حافلة بتساؤلات حول الوجود والفلسفة... أسلوبها واحد في معظم منحوتاتها وهو بنائي معماري تجريدي متنوع، وينبض بالحياة، ذلك أن العاطفة المتأججة  في أعماقها تزرع الحياة في هذه المادة القاسية، وتحولها إلى مرآة تعكس نبضاتها وأحاسيسها... تعيش الحاضر لحظة بلحظة، ولا تدخر جهداً أو عطاء في سبيل التقدم والتطوير.

لم تشبع مادة الطين التي لجأت إليها، في البداية، رغباتها فانتقلت نادين أبو زكي إلى الخشب والحجر، واكتشفت أن المنحوتات الحجرية أقرب إليها من المنحوتات الخشبية، والأشكال الهندسية العمودية أشد قرباً من الأفقية والمنحنية... هكذا نشأت علاقة قوية مع الحجر، قوامها الصداقة والحوار والتفاعل، مع أنها تعيش أحياناً حالة صراع معه، وترغب في  الانتقام منه.

الفلسفة لدى نادين أبو زكي هي الأساس في حياتها، وحولها تتمحور كتاباتها ومنحوتاتها، وتشكل محطة انطلاق في أي عمل تقوم به. وكثيرا ما يتنازعها هاجس الاختيار بين الكتابة والنحت، فلا تجد  سوى إجابة واحدة هي أنها  لا تستطيع العيش من دونهما، وأن حاجتها إلى التعبير لا تكتمل في الكتابة أو في النحت، بل في الاثنين معاً.