انعقد في الأسبوع الماضي مؤتمر القراءة الوطني الأول الذي نظمته مجموعة حروف الشبابية، بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي ناقش دور القراءة في محاور متعددة.

Ad

جميل أن يكون هناك اهتمام ورعاية من الدولة لتشجيع القراءة في الكويت، وكما علمت هناك أيضاً حملة تقام في مدينة أبوظبي من أجل نشر وتشجيع القراءة في دولة الإمارات، ولا أدري أيهما سيكون الأفضل في تحقيق هذا الهدف والوصول إلى النتائج المرجوة، وإن كانت الحملة يبدو حالها أفضل، غير أن الزمن سيكون الفاصل وما علينا إلا الانتظار.

والانطباع الذي تكوّن عن مؤتمر الكويت للقراءة أنه لم يأت بالصورة المرجوة منه، فقد كان صورياً على ورق، حاله حال كل المؤتمرات التي تعقد بشأن الثقافة أو غيرها، كلها يكون مصيره الأرشفة في الأدراج، وعلى الأرفف ثم ينام في النسيان، انتهى دوره من بعد ما انطفأت الفلاشات وأقفلت عدسات الكاميرات وانفض المولد بلا حمص.

كنت أتوقع لهذا المؤتمر دوراً مختلفاً عن بقية المؤتمرات، فالقراءة مطلب أساسي وضروري في هذا الزمن الذي سرقت فيه الأضواء منها لحساب أنشطة الإنترنت، وباتت القراءة عملية محدودة ببعض الكتب ونادرة للبقية، وكان مفروضاً على هذا المؤتمر أن ينزل إلى هؤلاء الذين لا يقرؤون، والمطلوب أن يعيدهم إلى القراءة أو يشجعهم، عن طريق توسيع نطاق هذا المؤتمر ونزوله إليهم في كل مكان لتواجدهم، في المدارس والمقاهي والنوادي والشوارع وفي كل وسائل الإعلام، أن تعقد هذه الورش والمحاور بين الناس بكل فئاتهم العمرية ومستوياتهم الفكرية، تبين وتشرح لهم أهمية القراءة وفعلها الإيجابي في تطوير وتنوير وتنمية وبلورة الذات بكل أبعادها، ليفهم الناس ما هو دور القراءة، فهي لا تخص الكتاب وحدهم حتى يعقد مؤتمر يحضرونه هم وحدهم دون تلك الفئات التي لا تقرأ، ومفروض أن هذا المؤتمر معقود لها، لا لتلك التي تقرأ، فما الفائدة المرجوة من طرح آرائهم، بعضهم على بعض؟

فعل القراءة مطلب أساسي يجب أن يكون من الأهداف الرئيسية في مخطط الدولة، ويجب أن تُفرد له مخصصات لفرضه وتشجيعه بكل الوسائل الممكنة، عن طريق المدارس من المراحل الأولى للتعلم وحتى آخرها، يجب أن تدخل القراءة الحرة كمادة أساسية في المناهج الدراسية، وأن تخصص علامات وجوائز تشجيعية لمن يقرأ أكثر ومن يفهم أكثر ومن يستطيع أن يعبر أكثر، وهذه الجوائز التي تشجع على القراءة يجب أن تقدم من جميع الجمعيات والمؤسسات الحكومية والأهلية والبنوك، على الجميع المشاركة والتطوع بحملة هادفة واعية نشيطة ومحببة إلى الكل، وليست جافة بعيدة عن الوجدان ومنفرة، ويجب أيضا مشاركة الفنانين والكتاب بكل المراحل العمرية في التطوع بخدمة هذه الحملة، بحيث يبينون دور القراءة في حياتهم وكيف نمت وعيهم وإدراكهم، وأن يقرؤوا بعضا من نصوصهم السهلة اللطيفة والقريبة من الوجدان حتى تُحدث الأثر المطلوب.

لن تقوم قائمة لأمة بدون فعل القراءة، لأنها جوهر وترمومتر قياس وعيها وتحضرها وعمق ثقافتها ومدى إدراكها لدورها الإيجابي في هذا الكون وتفاعلها معه، ومعرفتها لحقوقها وواجباتها ومكتسباتها الإنسانية من دون أن يُلعب بها أو يُستهان بوجودها وبدورها، ولو كانت شعوبنا العربية هي بالفعل أمة "اقرأ" لما كان حالها كما هو عليه الآن، وما جرؤ أي كان أن يلعب بها ويتلاعب بمصيرها، لأن القراءة تنمي الوعي وترفع الإدراك الثقافي، وهما يمثلان حزام الأمان للشعوب ضد الاستغلال والاستغفال من قبل تلك الشعوب الأكثر وعياً وأعلى ثقافة.

القراءة ليست خاصة بالكتاب، فنحن لا نقرأ فقط لكي نُصبح كتابا وشعراء، نحن نقرأ لنرقى بإنسانيتنا، لنفهم الآخر ونتعلم قبوله والتسامح معه، فالقراءة تمحو الفوارق ما بين الشعوب وتوسع إنسانيتها وتقارب فيما بينها.

وهذا ما أدركته وتعلمته واستفدت منه في القراءة التي قاربت ما بيني وبين شعوب العالم، ومحت كل الاختلافات بيني وبينها، لدرجة ما عدت أعرف فيها ما هي الاختلافات أصلاً، وفيم نختلف نحن كشعوب إذا كنا كلنا في الأصل ننتمي إلى الإنسان، حتى وإن اختلفت لغاتنا، لكننا في الأصل يوحدنا هذا الإنسان المشترك فيما بيننا، والذي أوجده وكشف عن معدنه النبيل الكامن فينا، هو فعل القراءة.