انتفض العالم بعد جريمة القتل التي وقعت في وضح النهار في فرنسا وراح ضحيتها 12 شخصا، والجريمة التي تلتها بأيام أيضا في متجر يهودي، وبات هذا الحدث محور حديث الفضائيات والإذاعات ورؤساء الدول، لكن طريقة تناول الغرب ووسائل الإعلام لهذا الحدث كشفت عن تناقضه ومعاييره المزدوجة وخصوصا في مسألتين:

Ad

الأولى هي هذا التركيز الكبير على هذه الجريمة، بالرغم من قلة الضحايا والتي استدعت قيام مظاهرة ضد الإرهاب في باريس شارك فيها العديد من زعماء وممثلي دول العالم، ومنهم المجرم الإرهابي نتنياهو قاتل الأطفال! لكن لا نرى أيا من هذا الاهتمام من الغرب نفسه برؤسائه ووسائل إعلامه والاستنفار والمظاهرات ضد كل الإرهاب الذي يجري في بقية الدول لا سيما في سورية والعراق على يد المجاميع التكفيرية!

 وليت الأمر يقف عند هذا الحد لأن هذا الغرب لم يكن فقط صامتا عن هذه الجرائم بل شارك فيها عبر تسهيله انتقال هؤلاء القتلة الإرهابيين لسورية والعراق عبر تركيا (العضو في حلف الناتو)، عندما كان يظن هو وحلفاؤه في المنطقة أن هذه السياسة ستسقط الدولة السورية عضوة محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني، لكن بعد أن فشلت هذه السياسة بدأ الدجاح بالعودة إلى حظيرته ليلقي ببيضه فيها "كما قال مالكوم إكس تعليقا على اغتيال كنيدي"، وبدأ هذا الغرب بحصد نتيجة هذه السياسة الغبية، وهو الذي لم يتعظ من أخطائه السابقة بدعم المتطرفين الأفغان والعرب في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي وبتمويل البترودولار من بعض دول الخليج، وكلنا يعرف نتائج تلك السياسة القصيرة النظر. هذا عوضا عن تحالف الغرب مع العديد من الدول العربية القمعية التي نشرت الفكر التكفيري في أنحاء العالم والذي أنتج المجانين من أمثال الدواعش وغيرهم.

المسألة الثانية هي تبرير حكومات الغرب للكاريكاتيرات المسيئة لنبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والتي دأبت مجلة شارلي إيبدو على نشرها بداعي حرية التعبير، كنت سأقبل هذا العذر لو أن الغرب صادق فعلا في ادعائه هذا، وأن الجميع في بلدانهم أحرار في التعبير عن آرائهم مهما كانت استفزازية لأي فئة دينية أو عرقية، لكن سرعان من ينهار هذا الادعاء عند تناول أي موضوع يمس السامية حتى لو كان رأيا علميا قابلا للنقاش العلمي والأكاديمي.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ الذي سجن في النمسا بتهمة إنكار الهولوكوست، وتم حرمانه من دخول عدة دول، إضافة إلى عمل المنظمات الصهيونية والمتعاطفين معها على إيقاف أي مؤتمر أو حلقة نقاشية يدعى للتحدث فيها حتى لو كان الهدف من الدعوة هو استجوابه على آرائه.

والمثال الآخر هو الفيلسوف الفرنسي الراحل روجيه غارودي الذي حكم عليه أيضا بالسجن مع وقف التنفيذ لأنه انتقد المبالغة في أعداد الضحايا اليهود الذين قتلوا في الهولوكوست! ومؤخرا تم اعتقال الفنان الكوميدي الفرنسي ديودوني مبالا بسبب سخريته من مظاهرة باريس بقوله "أشعر بأني شارلي كوليبالي"، وهو الذي أدين سابقا بالعنصرية وبمعاداة السامية لسخريته من صحافي يهودي قائلا "من المؤسف أنه لم يرسل لغرف الغاز"، وتم منعه من حضور التجمعات السياسية العامة والحظر على عروضه الفنية بأمر من المحكمة!

إذاً، حرية الرأي ليست بلا حدود في الغرب، وهذا مفهوم لأن هناك حساسيات لدى كل فئة أو تجمع ديني أو اجتماعي، لكن من غير المقبول أن يُسمح لاستفزاز فئة معينة مع تجريم استفزاز فئة أخرى، فإما لا يوضع أي اعتبار لكل الفئات أو أن تراعى كل الفئات دون تمييز، وإلى أن يحين ذلك الوقت سيبقى الغرب في نظرنا منافقا ومزدوج المعايير.