منذ سقوط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، ورئيس وزراء العراق حيدر العبادي غائب تقريباً، غير أنه خرج في خطاب مقتضب قبل ساعات من وقوع المدينة بيد "داعش"، قائلاً إن العراق سينتصر، دون أن يفسر كيف!

Ad

بعدها بساعات انسحب الجيش من هذه المدينة الاستراتيجية، التي لا تبعد عن بغداد سوى أقل من ساعة بالسيارة، ليختفي رئيس الحكومة عن المشهد، لدرجة أن المراقبين وصفوا ذلك بأنه "أطول غياب" للعبادي.

لم يكن لدى الرجل ما يقوله منذ سقوط الرمادي، والأنكى أن الفراغ جرى ملؤه بتصريحات رنانة لـ"داعش" من جهة، ولقادة الميليشيات الشيعية من الجهة الأخرى، دون أن يجرؤ أحد على الرد.

وكان لافتاً أن هادي العامري زعيم ميليشيا بدر، المقربة من طهران، والمعروف أنه لا يؤيد أي إصلاح سياسي أو تصالح داخلي، قال للصحافيين الاثنين الماضي، إن خطط الحكومة العراقية لتحرير الأنبار "مضحكة"! ولم يسبق لـ"الحشد الشعبي" الشيعي أن سخر من الحكومة ونال من شرعيتها، بهذه الطريقة التي جاءت على لسان سياسي مؤسس للنظام الجديد في العراق.

ورغم أن الصحافة العراقية لاتزال تتمسك بتفاؤل صعب بحكومة العبادي الإصلاحية، فإن الرجل غطس في الغياب، وامتلأت وسائل الإعلام بعبارات اليأس والتلاعن المتبادل بين الطوائف، ولم يخرج العبادي من عزلته، رغم كل المكالمات الهاتفية التي أجراها مع مسؤولي البيت الأبيض، والتي حفلت بتصريحات نقضها تقدير الموقف الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، والتي تتساءل عن سر فشل بغداد في الاحتفاظ بالرمادي. لكن الرجل عاد إلى الضوء في مؤتمر باريس، المنعقد الاثنين الماضي، بحضور وزراء خارجية الائتلاف الدولي ضد "داعش".

وعند كثيرين، فإن عودته لم تكن أفضل حالاً من غيبته، فبينما كان يذهب في الشهور السابقة إلى القارات البعيدة، وهو يبشر بإصلاح أخطاء سلفه نوري المالكي، ظل يركز في باريس على قضايا أخرى، وكأنه يلقي الكرة في ملعب الغربيين، ويردد اعتراضات "الحشد" على واشنطن.

وبينما كان يسأله وزراء خارجية أوروبا عن السر في تباطؤ الإصلاحات في بغداد وجمود الحوار مع القوى السنية، كان يتهرب من الإجابة ويتساءل: لماذا لم تقدموا السلاح الكافي لنا؟ ولماذا لم توفروا المعلومات الاستخبارية الكافية؟ وحين طلبوا منه أن يكون أكثر تحديداً، قال لوسائل الإعلام: "أريد من الائتلاف الدولي أن يفسر لي كيف يأتي مواطنون من بلدان الائتلاف نفسها، ليتطوعوا للقتال في صفوف داعش"؟، وراح يتحدث بغضب عن مقاتلين جاؤوا من أوروبا ومصر، ومن السعودية أيضاً، في اللحظة نفسها التي كانت الرياض تعلن تعيين أول سفير لها في بغداد منذ غزو الكويت.