بينما تفيد الأنباء بقرب انطلاق برنامج التدريب والتجهيز الذي أعدته الولايات المتحدة لقوى الثورة السورية بعدما طال تأجيله، ما زالت عدة أسئلة متعلقة بطبيعته وهدفه دون أجوبة، فتحديد المهمة الجديدة للقوات واستراتيجيتها وقدراتها وعمليات التزامها وعلاقتها بقوى المعارضة الأخرى على ساحات المعركة السورية جميعها خطوات أساسية لضمان نجاح تلك القوات.

Ad

وأفاد الناطق باسم البنتاغون أن القوات الجديدة ستتولى ثلاث مهام على الأقل: الدفاع عن المدنيين وتنفيذ عمليات هجوم ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ودعم المعارضة السياسية، وتستثني هذه المهام أي مهمة معلنة ضد قوات بشار الأسد، مع أن ذلك قد ينضوي في إطار المهمة الدفاعية، فسواء أكان يُنظر إلى الاشتباكات مع النظام كمحتّمة أو لا، لا بد من أن تكون واشنطن واضحة فيما يتعلق بتوقعاتها منذ البداية، إذ إن محاربة كل من "داعش" والنظام قد تشكل مهمة ضخمة للغاية تتطلب أعداداً كبيرة من العناصر وأسلحة ثقيلة ودعماً واسع النطاق، ووفقاً لجميع الاحتمالات دعماً جوياً.

ومن غير الواضح أن القوات ستتألف من وحدات مناورة كبرى أو من وحدات صغرى بحجم الكتيبة أو السرية، أو أنها ستقتصر على جنود مشاة مجهزين بأسلحة خفيفة أو ستضم عناصر "متعددة الأسلحة" مجهزة بأسلحة ثقيلة وتشمل جنود المشاة وقدرات الرمي غير المباشر ومقاومة الدروع والطائرات، وتجدر الإشارة إلى أن حجم القوات مهم، فوحدات المناورة الأكبر هي أكثر قدرة على الصمود أو التقدم وإلحاق الهزيمة بقوات العدو من الوحدات الأصغر حجماً.

ويُفترض ألا تكون القوات الجديدة مجرد مجموعة مسلحة أخرى، إذ سيتوجب عليها العمل ضمن استراتيجية معينة ولا بد من أن يتم التحكم في عملياتها وربما دمجها مع عمليات أخرى في سورية وربما العراق، على أمل أن يجري ذلك بشكلٍ يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة والتحالف، ولكن في الوقت الراهن، ليس هناك منظمة سياسية أو عسكرية تابعة للمعارضة قادرة على تأدية هذه الأدوار، وبالتالي هل ستعمل القوات الجديدة تحت سلطة الولايات المتحدة والتحالف أو وفق ترتيب خاص موضوع لهذا الغرض، على غرار جهاز "غرفة العمليات العسكرية" المستخدم حالياً للتنسيق بين عمليات الثوار في بعض أنحاء سورية؟

ويبدو الإطار الزمني المتوقع لإنشاء القوات طويلاً ويتضمن ثلاث زيادات سنوية يصل عددها إلى نحو ٥٤٠٠ جندي يخضعون للتدريب والتجهيز. صحيح أن هذه المقاربة المطولة زمنياً قد تتلاءم مع رأي واشنطن الحالي بالموضوع، إلا أن الأوضاع القائمة في سورية قد تشهد تغييراً جذرياً، مما يؤثر على مهمة القوات ومتطلباتها. وسيربح المقاتلون في سورية المعارك والأراضي ويخسرونها في السنوات الثلاث المقبلة بشكلٍ يحدد مصيرهم والسياق الذي ستعمل فيه القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة.

متى وأين ستُنشر القوات؟

إنّ نشر القوات الجديدة تدريجياً وتوكيلها بمهام فائقة الطموح، أو نشرها في أراضي معركة متنازع عليها بشدة قد يؤدي إلى فشلها أو تفككها [القضاء عليها] في وقت مبكر؛ لذلك يمكن القول إنه من الضروري الالتزام بنشر وحدات كبيرة نسبياً بشكل أولي وحذر ضمن مناطق هادئة نسبياً أو أقل عرضة للخطر في سورية، ويجب ألا تسمح واشنطن وشركاؤها بأن يحتم الضغط السياسي أو متطلبات العمليات انتشاراً سابقا لأوانه أو غير ملائم للقوات.

هل يُعتبر حجم القوات كافياً؟ يبدو العدد المؤلف من ١٦٠٠٠ عنصر تقريباً صغيراً بالنسبة إلى أي قوات تسعى إلى التأثير بصورة حاسمة على الحرب في سورية، فقد يبلغ عدد خصومها المحتملين عشرات الآلاف وستضطر على الأرجح إلى أن تقسم عملياتها إلى عمليات هجومية ودفاعية على مساحات شاسعة من الأراضي، فتضطلع على الأرجح بمهام تفوق قدرتها.

من المرجح أن تنخرط القوات في صراع طويل الأمد داخل سورية، لذلك من الضروري تأمين استمرارية وحدات القتال على ضوء هذا الواقع، وستتكبد هذه الأخيرة إصابات وستُستنفد تجهيزاتها (الذخائر والأدوية والطعام وغيرها) وستُدمر معداتها ويتم الاستيلاء عليها وتفكيكها، وهذه كلها أمور يجب أن تعوض عنها القوات إذا أرادت المحافظة على فعاليتها. وبالنسبة إلى العمليات الهجومية، لا بد من نقل جميع المعدات إلى مكان قتال الوحدات وتوقع ازدياد الحاجة إلى إعادة التجهيز.

ويعني ذلك ضرورة وجود نظام لوجستي متين لدعم القوات المقاتلة، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيؤمَّن هذا النظام عن طريق فاعلين خارجيين، على الأقل لغاية عبور الحدود السورية؟ مهما كانت الدرجة المتوقعة لتوفير القوات معداتها اللوجستية الخاصة، فإنها ستحتاج إلى رجال وتنظيم ومعدات لهذه الغاية، ويعني ذلك انخفاض عدد القوات المتاحة للقتال، بالإضافة إلى ذلك، هل يمكن الاعتماد على تركيا والأردن لتأمين النفاذ الضروري إلى سورية خلال فترة الانتشار؟

ونظراً لنطاق المهام المتوقعة من القوات وصعوبتها، فهي ستحتاج بشكلٍ شبه مؤكد إلى دعم القتال من قوات الولايات المتحدة والتحالف، وإذا ما واجهت عناصر الثورة صعوبات خلال المعركة، وهذا سيحصل على الأرجح، لا بد من إنقاذها. لقد سبق أن أظهرت الحرب الحاجة إلى كميات كبيرة من القوة النارية لمجابهة أسلحة العدو الثقيلة وكسر المقاومة الصلبة، ولا تستطيع قوات مدربة على يد الولايات المتحدة أن تتحمل تكاليف الانخراط في عمليات مطولة زمنياً شبيهة بالحصار كما فعلت وحدات كثيرة تابعة لقوى الثورة أو للنظام، فيجب أن تتمكن من طلب دعم النيران الثقيلة لكسر المقاومة التي تواجهها بسرعة أو الرد على هجمات مكثّفة، ويمكن التخفيف من هذه الحاجة عبر توفير قدرات متينة من الأسلحة الثقيلة للقوات، ولكن قد يتعذر القضاء عليها كلياً، ويستدعي ذلك تأمين العناصر والمنظمات والإجراءات الكفيلة بضمان توفير الدعم الكافي في الوقت المناسب، وفي الواقع سيتوجب دمج القوات ضمن العمليات الجوية التابعة للولايات المتحدة والتحالف وربما العمليات البرية.

فضلاً عن ذلك، يجدر بالتحالف أن يأخذ في عين الاعتبار على الأقل احتمال أن يحتاج أحياناً إلى القيام بتدخل بري لإنقاذ عناصر قوى الثورة الصديقة، فتنظيم "داعش" وقوات النظام ستسعى على الأرجح إلى التدمير السريع لأي وحدات خضعت لتدريب من الولايات المتحدة، ولا تستطيع واشنطن أن تسمح بحصول مثل هذا السيناريو بما أنه قد يقضي على العملية بكاملها.

كخلاصة يمكن القول إن إنشاء قوات مدعومة من الولايات المتحدة ونشرها للمحاربة بشكل فعال في سورية يتخطى مهمة التدريب والتجهيز، وعلى واشنطن أن تتوقع مواجهة القوات صعوبات كبرى وتحديات مباشرة من خصوم متمرسين ومجهزين بأسلحة ثقيلة، ولا بد من التصدي لجميع المسائل المتعلقة بالاستراتيجية والعمليات والقدرات وتأمين الاستمرارية والدعم مع تطور البرنامج، ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تتكبد تكاليف غزو فاشل آخر في سورية- على غرار غزو "خليج الخنازير" الذي فشلت فيه القوات التي درّبتها الولايات المتحدة في غزو كوبا- بحيث تتعرض فيه قواتها الجديدة للاندحار أو التدمير نتيجة اعتمادها استراتيجية خاطئة أو مفهوماً غير مدروس في عملياتها أو ضعف قدراتها أو نقص الدعم المقدم لها.

يمكن أن يكون المخططون الأميركيون قد بدؤوا بالتصدي لبعض هذه المسائل أو ربما سيعالجونها مع تطور البرنامج، وعلى أي حال يُعتبر إنشاء قوات تحظى بدعم أميركي ونشرها للمشاركة في المعارك جهداً لا يجوز الاستخفاف به، ولا بد من إتمام ذلك من خلال قيام أهداف سياسية وعسكرية واضحة واستراتيجية عسكرية ملموسة لتحقيقها، ومن الأخذ بعين الاعتبار حالات الطوارئ المحتملة في العمليات، ولغاية اليوم لم ترتكز المقاربة التي اتبعتها إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه سورية على هذه الخصائص.

* جيفري وايت | Jeffrey White ، أستاذ شؤون الدفاع في "معهد واشنطن"، ومتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية في بلاد الشام، العراق وإيران.