أنشأ العلماء GiveDirectly، منظمة لا تتوخى الربح تحوّل المال إلى مَن يعيشون بأقل من دولار في اليوم في كينيا وأوغندا. يُختار هؤلاء الناس باستخدام معيار بسيط موضوعي يرتبط بالفقر: ما إذا كانوا يعيشون تحت سقف من القش. وهكذا يحظى هؤلاء الفقراء بمبلغ كبير يصل إلى ألف دولار يمكنهم أن ينفقوه كما يحلو لهم.

Ad

يخبر نيهوس: {عندما نعثر عليهم، تكون كلفة إيصال المال إليهم أقل من 3%. ونعتقد أن هذا إنجاز كبير يبدل الوضع القائم}.

يقول نيهوس، الذي يرأس راهناً هذه المنظمة، إن مجموعته تظل على اتصال مع 99% من المتلقين عبر الهاتف. ويضيف: {من المهم بالنسبة إلينا أيضاً أن نحصل على ردود فعل ممن يتلقون المال بشأن ما نحققه عبر الهاتف الخلوي}. يسمح هذا التواصل مع المتلقين للمنظمة بتوسيع مدى فاعلية إستراتيجياتها بدون أي تأخير.

تُعتبر GiveDirectly مجرد مثال واحد على الطريقة التي تحول بها التكنولوجيا العصرية والناشئة عالم الإحسان والخير. في أستراليا ودول أخرى، بدأت المنظمات الخيرية تستغل ثورة الهواتف الخلوية، كثرة التطبيقات، أنظمة الدفع الجزئي، أشكال العملة الافتراضية، وبالتأكيد الإنترنت بغية تغيير الطريقة التي يتبرع بها الناس ويتلقون الهبات.

صحيح أن هذا يقدّم فرصاً كبيرة للمنظمات الصغيرة المحدودة كي تبدأ بتغيير العالم، إلا أنه يشكل تحدياً أكبر للمنظمات الأكبر الأكثر ثباتاً، التي تُضطر إلى التكيّف بسرعة للمنافسة في مشهد متبدل من مقاربات الوهب.

تُعتبر الهواتف المحمولة مسؤولة على الأرجح عن العدد الأكبر من التغييرات المهمة الأخيرة في عالم الإحسان. لنتأمل مثلاً في القدرة على التبرع بإرسال رسالة نصية.

تقول رينيه بوكر، المديرة التنفيذية في منظمة Telco Together في فيكتوريا، التي تروّج للتطوع وجمع التبرعات في أستراليا: {اعتاد الناس استخدام الرسائل النصية. فهي تلغي تلك الحواجز  خلال محاولة حض الناس على إخراج بطاقاتهم الائتمانية ودفع المال بملء إرادتهم. يكفي اليوم أن تبعث برسالة نصية}. ولتطوير هذه الطريقة، تنسق منظمة بوكر برنامج تبرع مع شركات الاتصالات اللاسلكية في أستراليا. ومن المتوقع أن يبدأ العمل فيه خلال يوليو المقبل.

 

أنظمة وتطبيقات

 

أضف إلى ذلك وفرة التطبيقات التي تهدف إلى تبديل ثقافة العطاء في مجتمعنا بالسماح للناس بالتبرع بالسهولة عينها كما التحقق من بريدهم الإلكتروني. وتشمل هذه التطبيقات One Today من غوغل والتطبيق الأسترالي Shout For Good. كذلك تنظم مجموعة من الأدوات التي تسمح للناس بإرسال المال عبر الإنترنت، مثل زر التبرع في PayPal وGoogle Wallet.

في الماضي، كان الأغنياء يقومون بالجزء الأكبر من أعمال الإحسان. لكن التكنولوجيا فتحت الباب أمام الجميع للعطاء بطرق غير مسبوقة.

يستطيع الناس اليوم تحويل الأموال بواسطة هاتفهم الخلوي، علماً أن هذه القدرة كان لها تأثير كبير في أجزاء عدة من إفريقيا. على سبيل المثال، تسمح أنظمة مثل M-Pesa في كينيا للناس بإيداع المال، سحبه، وتحويله بسهولة باستخدام هواتفهم الخلوية. والنتيجة: نظام مصرفي يتيح لأي شخص القيام بمعاملات مالية من دون أن يُضطر إلى التوجه إلى المصرف.

صارت الأنظمة المصرفية هذه شائعة جداً. بات M-Pesa متوافراً في عدد أكبر من الدول. وفي كينيا، بلغت قيمة العمليات المالية التي أجريت عبره عام 2014، وفق التقرير، ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي في هذا البلد تقريباً. كذلك سهل هذا النظام على الناس تقديم الأموال لمن هم بحاجة، وهي بالتأكيد إحدى الطرق التي تعتمدها GiveDirectly لنقل الأموال.

علاوة على ذلك، بدأنا نشهد في الآونة الأخيرة طرقاً أخرى غير تقليدية للتبرع. بيتكوين عملة رقمية لامركزية يستطيع الناس إرسالها أحدهم إلى الآخر من دون وسيط مثل المصرف، وهي مستقلة تماماً عن الحكومات والمؤسسات المالية، فضلاً عن أنها شفافة بالكامل فكل معاملة تُسجل وتُعرض للعموم.

أثار هذا اهتمام القطاع الذي لا يتوخى الربح. يشير بيتر شاس، مؤسس ورئيس مشروع واتر، مجموعة لا تتوخى الربح تساعد المجتمعات في إفريقيا السوداء في الحصول على الماء النظيف: «أعتقد أن أمام بيتكوين فرصة حقيقية لتبديل الأعمال الخيرية بسبب شفافيتها». تتيح سجلات العمليات المالية المفصلة التي تعتمد على بيتكوين للناس الاطلاع على كيفية استخدام تبرعاتهم، ما يطمئنهم ويضمن لهم أن المال يصل بالتأكيد إلى معوزين.

تستخدم منظمات أخرى أشكالاً من العملة مختلفة بالكامل. Yerdle سوق تعتمد على الهواتف الذكية حيث يبيع المستخدمون الأغراض ويشترونها بـ{دولارات ياردل} التي يكسبونها من خلال وهبهم مقتنياتهم. أما شبكة Freecycle، فتتخلى عن العملة بالكامل مع منتدى يستطيع الناس باستخدامه وهب مقتنيات لا يحتاجون إليها والحصول على ما يحتاجون إليه، وذلك كله مجاناً.

لكن تغيير كبير إلى هذا الحد له سلبياته أيضاً. فمن التحديات الكبرى التي تواجهها الجمعيات الخيرية لفت انتباه الواهبين المحتملين حين تكون البدائل والتلهيات كثيرة.

لفت الانتباه

 

في السنة الماضية، عرض شاو غوو من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا وغريغوري ساكستون من جامعة ولاية نيويورك في بوفالو الصعوبات والفرص الناجمة عن فرط المعلومات في عالم الإحسان.

استخدم الباحثان عبارة {إحسان الانتباه} لوصف هذه الظاهرة والقول إنها تقدم حافزاً واضحاً يجب أن يدفع رؤساء المجموعات التي لا تتوخى الربح على القيام بالمزيد من التجديد والابتكار. بكلمات أخرى، عليهم أن يتوصلوا إلى رسائل مؤثرة وهادفة تلفت انتباه الواهبين المحتملين. ولا شك في أن السبل لتحقيق هذا الهدف كثيرة بفضل الانتشار المتنامي لبرامج التواصل على الهواتف المحمولة وأدوات الوسائط المتعددة.

في الوقت عينه، تخاطر المنظمات التي لا تتوخى الربح والتي تشدد بإفراط على لفت الانتباه بالانجراف عن مهمتها الأساسية ومسؤوليتها، وفق غوو.

لكن التغييرات التي باتت متاحة اليوم تخلف تأثيرات عميقة. فقد ساعدت GiveDirectly الناس على زيادة أصولهم ودخلهم، حسَّنت خيرهم النفسي، وحَّدت من عدد الأيام التي يظل فيها أولادهم بلا طعام. ولا شك في أن هذا تغيير بالغ الأهمية على شتى الأصعدة.