قبل نحو سنة، وفي ديسمبر 2013، أغلقت الحكومة العراقية أذنيها عن كل دعوات التهدئة التي كان يطلقها قادة شيعة معتدلون، وقرر رئيسها نوري المالكي "إحراق خيام المعتصمين" في الأنبار، واعتقال أبرز منسق للاحتجاج هناك، وهو النائب السابق أحمد العلواني، بمداهمة أثارت الجدل، وأدت إلى مقتل شقيقه وعنصرين من الجيش، وهي الحادثة التي تسببت في تمرد مسلح في الأنبار، سرعان ما استغله "داعش" وفرض هيمنته على أجزاء واسعة من المحافظة.

Ad

ويمكن القول إن حادث اعتقال النائب حوّل تهمته من التحريض على العنف، إلى القتل العمد، بسبب مقتل اثنين من الجنود في اشتباك بين الجيش وحمايته. والحكم الأول من نوعه الذي يصدر على سياسي سني كان ينشط في الاعتصامات الشهيرة، تسببت به المداهمة التي كانت شرارة انطلاق "داعش" وتوسعه في العراق.

 وقد نسي الجميع أحمد العلواني طوال شهور، وسط قناعة بأن انهيارات الجيش ومئات آلاف النازحين، وكل النكبات المتوالية، جعلت من قضيته أمراً ثانوياً، إلا أن القضاء فاجأ الجميع قبل أيام وأصدر حكم الإعدام، القابل للمراجعة والتمييز، والعفو الرئاسي أيضاً.

وقد ساد انطباع بأن القضية التي صاغ نوري المالكي نواتها التحريضية الأولى لحاجته إلى استغلالها في الانتخابات الماضية، تثار اليوم بالضد من محاولات رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي تخفيف الانقسام الطائفي وتكوين جبهة متماسكة لدحر الإرهاب، بينما جاء أول رد فعل على حكم الإعدام، من مقاتلي قبيلة المتهم، الذين يحاربون "داعش" في مركز مدينة الرمادي، حيث ينفذ "داعش" أوسع وأخطر هجماته في الأنبار، إذ تساءل المسلحون: كيف ندافع عن الحكومة التي تريد إعدام ابننا في قضية مثيرة للجدل تسبب بها المالكي؟

وبدأ الحرج واضحاً على العبادي، فمن جهة لم يكن مألوفاً طوال ولايتي المالكي أن يصدر القضاء قراراً حساساً يتعارض مع سياسات رئيس الحكومة، ومن جهة أخرى لم يكن العبادي قادراً على تفسير سر توقيت صدور الحكم "المنسي" مع أخطر معارك الأنبار، حيث يقف مئات المسلحين من عائلة المتهم، لإسناد الجيش هناك.

وأقصى ما أمكن للعبادي فعله هو المسارعة للقاء أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية، والخروج ببيان مشترك غرضه تهدئة المقاتلين السنّة، حيث اتفقا على "حل عادل" لقضية العلواني.

 لكن الأسوأ من هذا، نوع الجدل الذي ظهر في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ ارتفعت أصوات متشددي الشيعة لتحذر العبادي من أي تنازل أو تعاطف، وتقول إن المسلحين السنّة يقاتلون "داعش" دفاعاً عن أعراضهم، لا عن الحكومة، وإن عليهم ألا ينتظروا مكافأة على هذا القتال، وهي عبارة انتشرت وتركت أسوأ الأثر في المناخ المتوتر أساساً، بينما كشفت مدى صعوبة المهمة التي تقع على عاتق القوى السياسية في محاولتها بناء ثقة تخفف الانقسامات.

ويقول خبراء القانون إن القضاء الذي حاول إرضاء المتشددين، ترك ثغرة في حكمه يمكن للعبادي الاستفادة منها، إذ اختار مادة قانونية تتيح الاستئناف، وتسمح بعفو رئاسي خاص، ما يمكن أن تستغله بغداد لتأجيل القضية أو إيجاد مخرج لها، وسط دعوات بأن تسارع الحكومة إلى إغاثة مسلحي العشائر الذين تنفد ذخيرتهم وهم يواجهون "داعش" على الضفة الشرقية للفرات، من حدود سورية حتى بوابات بغداد، سعياً لتخفيف الأثر النفسي السيئ الذي تركه إعلان غامض الدوافع، لحكم الإعدام.