كانت المنطقة الواقعة بين بغداد والشاطئ الشمالي للخليج العربي تعجّ بالفوضى بعد هجمة المغول، وفي خضم هذه الفوضى ظهرت إلى الوجود إمارة عربية استطاعت أن تؤدي أدواراً كبيرة على الساحتين المحلية والإقليمية منذ نشأتها منتصف القرن السادس عشر حتى بداية القرن العشرين.

Ad

وكان بإمكان الإمارة في بعض فترات قوتها أن تكوِّن دولة مستقلة في مناطق نفوذها، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، لأن عقلية أمرائها وفكرهم الإداري لم يكن يتجاوز عقلية المشيخة ومنطقها القبلي، وطموحهم لم يكن يتجاوز أيضاً الرضا بالتبعية والمصالح الضيقة، وتوسيع النفوذ والصراعات الداخلية والخارجية كانت جميعها تسير في حدود الفوضى والعقل والأفق المحدود.

ولعل الظروف المحلية كانت مواتية مرات عديدة، كما أن العديد من الفرص التي وفرتها بعض القوى العظمى لاستقلال الإمارة عن الإقليم العراقي كانت مواتية، لكن كل تلك الظروف والفرص لم تستغل أبداً، أو لم تجد من يستغلها على وجه الدقة، لذا فإن المرور على تاريخ هذه الإمارة يكون مهماً لسببين منطقيين: أولهما مساحتها والمجاميع القبلية التي انضوت تحتها ومدة بقائها الطويلة، وثانيهما علاقتها بالقوى المجاورة، ما يجعل التتبع لأحوال الإمارة وأحداثها ومحاولة تدوينها تدويناً للمنطقة كلها.

وقد شهد منتصف القرن التاسع عشر أحداثا عديدة لعل أهمها الطاعون الذي فتك بالمنطقة، وقضى على نصف المجتمع المنتفقي عام 1832م، وعودة الإمارة إلى حيث بدأت مشيخة تابعة لبغداد، وأميرها عجيل السعدون مجرد جابي أموال، في حين كانت غزوة بندر السعدون أول تدهور حقيقي في علاقة المنتفق بالكويت لولا أن بندر تدارك الخطأ وتراجع عن غزوه.

بغداد في الفوضى من جديد

لم يكن الوالي أسعد باشا رجل دولة، إذ كان شابا يميل للهو، وقد ترك لنسيبه داود باشا مهمة إدارة الشؤون العامة، ويبدو أن داود طمع في الولاية بعد أن خبر أمور الإدارة وطرق الاتصال بإسطنبول وبنى لنفسه علاقات وصداقات في البلاط العثماني من خلال التواصل والهدايا التي كان يبعثها لأصحاب الحظوة هناك، واستطاع في أواخر عام 1816م استصدار فرمان بخلع أسعد باشا وتعيينه واليا، فطرد أسعد وأرسل يخبر حمود الثامر بقرار الباب العالي ليضمن عدم تدخله، لكن يبدو أن حمود استجاب لكتاب أسعد الذي دعاه لنصرته فاتجه الى بغداد على رأس جيش من فرسان المنتفق، وبعد وصوله إلى بغداد اكتشف حقيقة الأمر وصعوبة بقاء أسعد باشا في الولاية حتى لو أعاده حمود إليها، حيث إن انتقالها لداود باشا كان بفرمان رسمي وكان معظم المماليك مؤيدين له، واقترح مغادرة أسعد الى ديار المنتفق ومراسلة إسطنبول من هناك، لكن الأخير أصر على أخذ الولاية عنوة، وكان له ما أراد إذ هرب داود باشا حالما علم بدخول قوات المنتفق إلى قلب بغداد وأعيد أسعد باشا واليا من جديد، وبعد مغادرة قوات المنتفق لبغداد وعودتها لديارها بأيام دخل داود باشا على رأس قوة وتوجه إلى قصر الولاية ليلاً، وبعث من يدخل إلى مخدع أسعد ويغتاله لتنتهي حكاية التحالف الاستراتيجي بين أسعد وحمود الثامر.

محاولات لمد الجسور

كان تعامل حمود الثامر مع ما استجد من أمور عقلانيا، وينم عن حصافة ودراية سياسية، حيث أرسل لداود باشا يهنئه بالولاية ويعلن الطاعة والالتزام بحقوق بغداد كاملة وهو الأمر الذي قابله داود باشا باستحسان فأقره على إمارة المنتفق، ويبدو أن حمود الثامر كان يوجس منه خيفة؛ لذا كان يستغل كل الفرص لاعلان الولاء والطاعة وارسال الهدايا، إذ يذكر المؤرخون أنه أرسل الهدايا وكتاب التبريكات في عام 1818م بمناسبة إسقاط المصريين لإمارة آل سعود، ثم بعث بهدايا قيمة في عام 1820م بمناسبة ختان ابن الوالي، وبعث بكتاب يخبر فيه الوالي أنه عين محمد حاكما للزبير خلفا لوالده إبراهيم الثاقب المقتول، وبكتاب آخر يخلع فيه حاكم الزبير الآخر يوسف الزهير ويعيد محمد الثاقب مكانه.

وجدير بالذكر أن الزبير كانت تحت إمارة المنتفق في تلك الفترة، وهي حالة من حالات قليلة كانت فيها الزبير تحت إمرة المنتفق مباشرة، ورغم كل ما سبق من محاولات لكسب ود داود باشا والتي كان يقابلها داود باشا باستحسان ظاهري، فإنه كان يبحث باستمرار عن حل لاقصاء حمود الثامر من الإمارة وتنصيب آخر، ويبدو انه كان يشعر بالضعف أمام حمود الأمير القوي الذي بقي في الإمارة مدة طويلة، ولا يخفى على الباحث ملاحظة ان شخصية حمود كانت تنال الحب والتقدير من معظم قبائل حلف المنتفق وبقية الكيانات الاجتماعية المجاورة، وأما ولاة بغداد فمعظمهم لم يكن يرق لهم الاستقرار في جنوب العراق، بل كان معظمهم لاعبا اساسيا في إثارة الفوضى والقلاقل بشكل مباشر أو غير مباشر.

البحث عن البديل

وفي سبيل بحث والي بغداد داود باشا عن بديل لحمود الثامر أشاع خبر البحث عن البديل عبر أتباعه في إمارة المنتفق من أجل إحياء التنافس والوشايات والمؤامرات بين السعدون أنفسهم، كما كان معروفا ومتداولا في أروقة بغداد فترات طويلة، ويبدو أن قراءة داود باشا للبيت السعدوني من الداخل لم تكن خاطئة، فبدأت وفود الطامحين تتوافد منذ عام 1825م، وكان أول الوافدين براك بن ثويني ووعده داود باشا بالمشيخة لكنه لم يف بوعده بعدما لم يوافق عليه مستشاروه، تلاه محمد بن عبدالعزيز المغامس وحنيان بن مهنا الصقر اللذان لم ينالا ثقة الوالي، وقد دخل محمد المناع شيخ الأجود الجديد دائرة الراغبين في الإمارة وهو الذي نصبه حمود الثامر على مشيخة الأجود بعد أن أزاح الخليف لصلة القربى الهاشمية، وقد استبعده الوالي أيضا لبعده عن بيت الإمارة وعدم انتسابه إلى الأسرة، ولم يجد والي بغداد شخصية يمكن تنصيبها أميرا للمنتفق إلا في عام 1826م حين زاره عجيل محمد الثامر في ثلة من رجالات السعدون المناوئين لحمود الثامر والذين وجدوا بابن أخيه رجل المرحلة القادمة، وقد أعجب الوالي بشخصية عجيل ووثق به فأقره على الإمارة، وكتب لمتصرف البصرة يخبره بقرار خلع حمود وإبداله بعجيل وأمره بسرعة التنفيذ مهما كانت النتائج، وأنه سيبعث له بالمدد من القوات البغدادية متى ما رفض حمود تنفيذ الأمر.

وكانت بداية الرفض أن أمر حمود بعض قبائل المنتفق الشمالية باحتلال الحلة لعل داود باشا يغير من موقفه ويستشعر الخطر، لكن السيف كان قد سبق العذل، ويبدو أن الوالي قد ذهب برأيه بعيدا واستعد لكل الاحتمالات فما كان منه إلا أن أمر عجيل ومن معه من مقاتلي المنتفق وقبيلة شمر بقمع القبائل المنتفقية وتحرير الحلة، وهو ما قام به عجيل بكل يسر وكفاءة، ليثبت انه الرجل المناسب للإمارة، وبعد انتهاء معركة الحلة أمر الوالي عجيل ومقاتليه بالتوقف في عفك شمال حدود المنتفق وانتظار معرفة موقف حمود وما سيقوم به، لكن حمود كان قد اختار الذهاب بالمعركة الى نهايتها، فأمر ابنه فيصل بمحاصرة البصرة من الجهتين الشمالية والغربية، في حين طلب من بني كعب وهم حلفاء له محاصرتها من الجهة الشرقية، وطلب من سلطان مسقط الذي كانت سفنه قريبة من البصرة في تلك الايام محاصرة البصرة من جهة البحر، وكان سلطان مسقط قد بنى علاقات جديدة مع حمود الثامر لتكون إمارة المنتفق ممرا لتجارة السلاح الرائجة في الإقليمين العراقي والشامي في تلك الفترة، واستمر الحصار شهرين متتالين تخللهما عدة محاولات فاشلة لاقتحام المدينة، وفي هذه الأثناء تغيرت الكثير من الولاءات من خلال العديد من المناورات التي قام بها والي بغداد داود باشا وأمير المنتفق الجديد عجيل المحمد ومتصرف البصرة الذكي عزيز باشا، فاقتنع سلطان مسقط بعدم جدوى الحفاظ على تحالفه مع حمود الثامر وأن المستقبل لمتصرف البصرة وأمير المنتفق الجديد، وأن المعركة قد قاربت الحسم، فغادر بسفنه باتجاه مسقط دون تنسيق مع حمود، في حين سارت قوات عجيل المحمد المدعومة بجحافل الترك باتجاه الجنوب فتساقطت معها مناطق المنتفق واحدة تلو الأخرى، وقد حدثت ترتيبات عديدة بين عجيل وبعض قبائل المنتفق سبقت التحرك، في حين قامت قوات الزبير ومعها مقاتلو البصرة بقيادة حاكم الزبير الجديد علي الزهير الذي نصبه متسلم البصرة بديلا للثاقب بفك الحصار من الجهة الغربية وهزيمة قوات حمود المرابطة في تلك الجهة، فما كان أمام حمود الثامر من خيار سوى الانسحاب بما تبقى له من مقاتلين الى ديار بني كعب الذين حافظوا على تحالفهم معه.

وقد حشد عجيل المحمد قواته بمساعدة متسلم البصرة وشيخ الزبير ومن معهم من أتباع وهاجموا المحمرة فقاومهم بنو كعب ومن مع حمود من أتباع وصدوهم، فلم يستطيعوا دخول المدينة مما اضطرهم للانسحاب، لكن حمود الثامر تبعهم بفرسانه والتقاهم مرة أخرى في أبي الرفوش فوقع في الأسر وهرب فرسانه ومنهم ولداه إلى المحمرة ثانية، وأرسل حمود الثامر الى بغداد التي أمر واليها بإرساله إليها، وهناك وضع في السجن حتى عام 1831م، وهو العام الذي استولى فيه علي باشا التركي على بغداد ليقضي على حكم المماليك الذي جاوز الثمانين عاما، وقد أمر علي باشا بإطلاق سراح حمود بناء على نصيحة صديقه صفوق الجربا شيخ شمر، فأخرج من السجن وبعث الوالي لولديه في المحمرة يستدعيهما للعودة من أجل تولية أحدهما إمرة المنتفق بعد أن بلغ والدهما من العمر عتيا، ولم يعد يصلح للإمارة، خصوصا أن عجيل المحمد كان محسوبا على داود باشا، لكن حمود توفي في بيت صفوق الجربا قبل وصول ولديه لتطوى معه واحدة من أخطر حكايات الإمارة وأطولها.

التبعية المطلقة

عادت إمارة المنتفق على يد عجيل محمد السعدون إلى مشيخة كبداية ظهورها قبل ثلاثة قرون تقريباً، فبعد أن وصلت إلى أعلى درجات استقلالها الذي اقترب من الكمال في أيام حمود الثامر، حيث كان يعين المتسلم الذي يراه مناسباً للبصرة ويعزل من يرغب بعزله دون العودة إلى السلطة في بغداد، كما كان يعزل من يشاء عن مشيخة الزبير ويعين من يشاء، وكانت رغباته مجابة في بغداد، كل هذه الحالة من الاستقلالية، اجتثت من أعماقها على يد داود باشا وخليفته، فقد اختاروا رجل المرحلة حيث كان عجيل متعهدا ماليا فقط، إذ حددت مسؤولياته بأمرين لا ثالث لهما: جمع الجباية السنوية في موعدها، ومقاتلة أية قبيلة أو جهة تثير غضب المركز في بغداد وإعادتها إلى جادة الطاعة.

وقد بلغت الجراية السنوية عشرين ألف شامي، وهو مبلغ لم تصله الجراية في أقصى فترات التزام الإمارة نحو بغداد، الأمر الذي أثار غضب شيوخ المنتفق على عجيل السعدون الذي وافق على الالتزام بها دون الرجوع إليهم.

وأما قمعه للقبائل والكيانات الاجتماعية الخارجة على سلطة الأتراك فقد بدأها بقبيلة ربيعة التي حاربها، وألزم رجالها بالإقرار على طاعة بغداد، وأجبر قبيلتي عبودة وبني ركاب على الدخول في حلف المنتفق، ودفع جرايتهما ضمن جراية الحلف بأمر من والي بغداد، كما سير جيش المنتفق ومن تبعه من مقاتلين لمحاربة بني كعب بأمر من بغداد أيضاً، ثم حارب شمر والظفير معاً في معركة دافنة إرضاء لداود باشا أيضاً، ولولا ذهاب حكم المماليك الذين ربط مصيره بمصيرهم لفقدت إمارة المنتفق كل معالمها، ولطال التشرذم والتفكك أحلافها الثلاثة.

نهاية حكم المماليك

دخل العثمانيون بغداد بعد معركة قصيرة هزم فيها داود باشا آخر المماليك، وقبل هروبه إلى المنتفق مع مقاتلي قبيلة العقيلات قبض عليه جنوب بغداد، فأودع السجن لتنتهي حقبة تاريخية مهمة من حكم المماليك الذي استمر زهاء الثمانين عاما، وقد كانت ولاية علي رضا باشا لبغداد اجتثاثية لكل ما كان سائداً في أيام داود باشا، وكان من ضمن التغييرات التي قام بها علي رضا خلع عجيل السعدون من مشيخة المنتفق واستقدام أبناء حمود الثامر من المحمرة لتأمير أحدهم بعد وفاة والدهم حمود، وحين علم عجيل بعزله رفض ذلك، فسيّر له الوالي جيشاً لتأديبه بمشاركة قبائل شمر وعقيل والبعيج وبعض قبائل المنتفق الموالية لحمود الثامر، التي كان لها تواصل سابق مع ماجد حمود الثامر، وفي نهاية عام 1831م وقعت المعركة بين الطرفين في صبيخ شمال الشطرة، فكانت الهزيمة من نصيب عجيل ومقاتليه، وقد قتل عجيل في تلك المعركة لتنتهي معه واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ إمارة المنتفق التي اتسمت بالظلم الكبير.

الطاعون يفتك بالمنتفق

لم تدم إمارة ماجد الحمود سوى أيام معدودات حتى توفي بالطاعون هو وأخوه عبدالعزيز وعماه منصور وراشد وعدد كبير من أبناء إمارة المنتفق وما جاورها، ولم يسلم من إخوته إلا فيصل الذي أصبح أميرا طبيعيا دون تنصيب من بغداد باعتباره الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من أبناء حمود الثامر، لكن إمارته لم تدم إلا أياماً أيضا؛ لأن ابن عمه عيسى محمد السعدون كان قد بدأ بمراسلة والي بغداد علي رضا باشا يعرض نفسه بديلا منذ وفاة ماجد الحمود، ويظهر عيوب فيصل وضعف شخصيته، وقد وافق الوالي على تعيينه أميرا للمنتفق بعد مشورة المقربين منه، خصوصا أن عيسى بن محمد ابن أخ عجيل كان أبوه من محاربي عجيل ورافضي إمارته.

حصار الزبير

حين تولى عيسى السعدون الإمارة في عام 1832م كانت المنطقة خارجة للتو من وباء الطاعون الذي فتك بالكثير من سكان المنطقة، فلم يتبق إلا عدد قليل من الجيوب التي كانت تحتاج الى إعادة ترتيب بما يتوافق مع توجه بغداد، وكانت المهمة الكبرى في سبيل ترسيخ مشيخته القضاء على مشيخة عبدالرزاق الزهير للزبير، وقد اتفقت أسباب عديدة وجب معها القضاء على مشيخة الزهير، فهو في نظر والي بغداد حليف للمماليك، وفي نظر متسلم البصرة كان معاونا للمتسلم السابق، وأما في نظر عيسى السعدون فالأسباب تعددت، فكان هو من أتباع عجيل السعدون، وقد لجأ محمد الثاقب شيخ الزبير السابق لعيسى السعدون طلباً لمساعدته في استعادة المشيخة التي طرده عبدالرزاق الزهير منها ومعه أهل حرمة الذين أخرجهم الزهير من الزبير، وكان آخر الأسباب مقتل أحد عبيد عيسى السعدون أثناء قدومه من كويبدة للتسوق من الزبير، وبعد فترة من الحصار ونفاد المؤن أحس بعض وجهاء الزبير بالخطر الذي يتهدد أهلها دون أن تكون لهم ناقة في الحرب أو جمل؛ فاجتمعوا سراً ودون علم عبدالرزاق الزهير، واتفقوا مع عيسى السعدون على السماح لجيشه بدخول المدينة مقابل ضمان سلامة الأهالي، وفي إحدى ليالي يوليو من عام 1833م دخلت قوات المنتفق الزبير، فاتجهت الى قصر مشيختها وألقت القبض على عبدالرزاق الزهير وإخوته ومقربيه، ولم ينج من الأسر إلا ابنه سليمان بن عبدالرزاق الزهير وراشد بن ثامر السعدون اللذان هربا من الزبير ليلا ولجآ الى الكويت، حيث أعطاهما أميرها جابر الصباح الأمان، ورفض تسليمهما لعيسى السعدون لاحقاً، وأما بالنسبة الى عبدالرزاق الزهير ومن معه فقد تم إعدامهم جميعا أمام الناس.

تدمير مدينة المحمرة

شارك عيسى السعدون ومقاتلو المنتفق في الحملة التي نظمها والي بغداد علي رضا باشا لتدمير مدينة المحمرة التي سحبت البساط من البصرة في تجارة إعادة التصدير نحو العراق والشام وتركيا، وقد شاركت قبائل عقيل وطي وزبيد وبعض القوى الأخرى خارج إمارة المنتفق، بالإضافة الى البصرة والمنتفق والزبارة في الحملة التي انطلقت في عام 1837م فنجحت باحتلال المحمرة وتخريبها بعد هروب حكامها الى بوشهر، ويبدو أن مشاركة المنتفق لم تكن مرضية لوالي بغداد فقام باستدعاء فارس بن علي السعدون وعينه أميرا للمنتفق، وخلع عيسى السعدون من الإمارة، ولكن فارس لم يستطع الانتصار على عيسى في سوق الشيوخ، مما اضطر الوالي الى إلغاء الأمر السابق وإعادة عيسى أميراً للمنتفق.

وفاة غير طبيعية

كانت الأعوام بين 1837م و1843م هادئة نسبيا، فلم تطرأ أية أحداث أو حوادث تستحق الذكر، وفي عام 1843م توفي عيسى السعدون احتراقا، حيث احترق مخدعه الصيفي المبني من أعواد القصب ليلا، وكانت قد جرت العادة أن يقضي عيسى والمقربون منه فترتي الشتاء والربيع في البادية على أن يعود صيفا إلى مقره في سوق الشيوخ، وهو أي المقر عبارة عن مضيف كبير وسكن عائلي وكلاهما مبني من القصب، وفي ليلة الوفاة وحسب الرواية المتداولة نسيت الخادمة إطفاء الشعلة الزيتية، فتسببت الشعلة في احتراق المخدع المبني من القصب سريع الاشتعال، فتوفي عيسى وزوجته من ليلتهما، وقد نقل بعض الرواة ما يثير شبهة المؤامرة أو الحريق المقصود، لكن شيئا من هذا لم يثبت أو يستطع الرواة إثباته.