حصد الإرهاب أكثر من (٣٠) ألف قتيل عام ٢٠١٤، سقطوا ضحايا الهجمات الإرهابية في العراق وسورية ونيجيريا وباكستان وأفغانستان ومناطق مختلفة في العالم آخرها باريس، وأصبح الإرهاب معولماً يصيب بشروره الجميع، فأوروبا مستنفرة والعالم كله معها، ومنذ أيام اجتمع وزراء خارجية (٢١) دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي؛ لبحث سبل مواجهة "داعش" وتنسيق الجهود الدولية حوله، وكان أبرز المحاور ملف "المقاتلين الأجانب" الذين يتدفقون على "داعش" وخصوصا من أوروبا، وكان الأكثر إقلاقاً لأوروبا: ما العمل مع عودة هؤلاء المقاتلين للبلدان الأوروبية؟!

Ad

وحتى الآن لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد المقاتلين الأوروبيين الملتحقين بـ"داعش"، إذ يقدرها المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب بأكثر من (٣) آلاف مقاتل من (١٥) ألف مقاتل أجنبي من (٨١) جنسية، فالمسؤولون السياسيون والخبراء الأمنيون منشغلون بتنسيق الجهود الدولية: أمنياً ومالياً وإعلامياً، لكن التساؤلات الأهم تبقى عالقة تبحث عن إجابات مقنعة:

- لماذا يلتحق شباب أوروبيون وفتيات أوروبيات بما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" ويخلفون عائلات مفجوعة ومجتمعات حائرة؟!

- ما الذي يجذبهم لـ"داعش" صاحب الجرم الفاحش؟!

طلب القيادي الأصولي البريطاني أنجم شودري ذو الأصل الباكستاني من الحكومة البريطانية استعارة جوازه البريطاني للذهاب مع أطفاله إلى "داعش"؛ للعمل "قاضياً شرعياً"، وهو من جماعة "المهاجرون" التي تنشط في بريطانيا في حث المسلمين على الهجرة إلى "دار الخلافة" باعتبارها عقيدة شرعية!

صحيح أن معظم هؤلاء ينحدرون من أصول عربية أو مسلمة، إلا أن التساؤل يظل قائماً:

- ما سر جاذبية "داعش" القاتل بين الشباب الأوروبي، بحيث أصبحت أوروبا خزان تزويد الدولة الإسلامية بالمقاتلين؟!

- كيف استطاع "داعش" غزو عقول الشباب المسلم في أوروبا وتجنيدهم لمخططاته العدوانية؟!

قد يكون لبعض الشباب في المجتمعات العربية والإسلامية ما يدفعهم إلى الالتحاق بالمنظمات الإرهابية، من مظالم يدعونها وكراهيات للأنظمة السياسية القائمة ينفسونها، وجهاد ونصرة للإسلام وثأر لكرامة أمة يزعمونها، لكن يحار المرء في تفسير دوافع شباب يعيشون في أوروبا في مناخ ديمقراطي تربوا وترعرعوا فيه، وتعلموا في مدارسه "العلمانية"، وتمتعوا بكل حرياتهم لا يشكون مظلمة سياسية، ولا يعانون أزمة اقتصادية خانقة ولا تمييزاً عنصرياً أو دينياً موجهاً ضدهم:

- لماذا يصبحون متطرفين إرهابيين؟!

- ما الذي يستهويهم في الفكرين القاعدي والداعشي؟!

- لماذا ينقلبون على أوطانهم ويصبحون حرباً عليها؟!

هذه التساؤلات، تشكل تحدياً كبيراً للغربيين ولنا كمسلمين: مجتمعات وحكومات!

- ما الأسباب والعوامل التي تجعل هؤلاء الشباب عرضة للسقوط في فخ الإرهاب؟!

الأهم من مواجهة "داعش" ومثيلاته، التحليل والتشخيص والمعالجة، فمن دون معرفة الأسباب والعوامل، لا يمكن معالجة "الظاهرة" هذا من جانب، ومن جانب آخر نحن نفرح لانتشار الإسلام في أوروبا وأميركا، وهذا بفضل من الله تعالى لا بفضل منا، ولكن ما يعكر فرحتنا أن بعض من يعتنقون الإسلام في أوروبا وأميركا، لا يختارون الإسلام الذي عليه مليار ونصف المليار مسلم، الإسلام السمح المعتدل، إنما يختارون "الإسلام العنيف" الذي عليه "داعش" و"القاعدة" وبقية التنظيمات الإرهابية بزعم أنه الإسلام الحقيقي.

 وفي تقرير لـ"واشنطن بوست" نشر منذ سنوات حول انتشار الفكر المتطرف وتغلغله في أوساط النساء والمراهقين في أوروبا الغربية، يتحدث عن الأم الهولندية ذات الأصول المغربية التي هاجرت إلى هولندا ودرست هناك وكانت تعيش حياة أوروبية، فتذهب إلى الحانة مع أصدقائها وتلبس الأزياء الأوروبية، لكنها تغيرت فجأة، وأصبحت متعصبة، وتورطت في أعمال إرهابية.

 وفي بلجيكا المجاورة لهولندا لا يزال الناس في حيرة بشأن من دفع "موريل" الشقراء البالغة ٣٨ عاماً، والكاثوليكية الديانة، للتحول إلى الإسلام ثم السفر إلى العراق لتفجير نفسها في نوفمبر ٢٠٠٥! وهناك نماذج كثيرة لهذا التحول العنيف، إذ يشير تقرير للاستخبارات الفرنسية (٢٠١٢) أن واحداً من كل (٤) يعتنقون الإسلام، ينخرط في صفوف التطرف الإسلامي.

 وبطبيعة الحال لست من أنصار لوم الآخر الغربي وتحميله المسؤولية، لأن المسؤولية أولاً وأخيراً مسؤوليتنا جميعاً، مسؤولية المؤسسات الدينية في البلاد العربية والإسلامية، ومسؤولية المراكز الإسلامية في الغرب التي لم تستطع أن توصل الإسلام المعتدل إلى تلك الديار، رغم كل الإمكانات المتوافرة لها، في حين استطاع "داعش" و"القاعدة" توصيل أيديولوجيتيهما المتطرفة رغم قله إمكاناتهما! ألا يستدعي الأمر وقفة نقدية ومراجعة؟!

*كاتب قطري