يبدو أن شعار المرحلة في الإصلاح والتطوير بات "إلى الوراء سر" بدل الدفع إلى الأمام، وصار السؤال مشروعاً: هل تريدون دولة مؤسسات نفتخر بها وتضعنا في مصاف الأمم الراقية، أم أنكم مصرون على سياسة "المزرعة"؟

فأقل ما يقال عن تعديلات اللجنة المالية البرلمانية على قانون هيئة أسواق المال أنها تفرّغ القانون من محتواه، وتضرب عرضَ الحائط بسعي الهيئة وإجراءاتها الخاصة بمعاقبة المتلاعبين في البورصة وإحالتهم إلى النيابة، وعملها على تطوير السوق وشفافيته.

Ad

لا تحتاج التعديلات المقترحة قراءة من لبيب، فهي تتحدث عن نفسها أو بالأحرى تتحدث باسم مجموعة متضررين من تطبيق القانون. وهنا يُسجَّل لأصحاب المصالح الضيقة هؤلاء نجاحهم في جعل اللجنة المالية أداة، عبر إدخال تعديلات واضح أنها ستدمر هيئة أسواق المال.

 يعلم المتضررون حتماً عواقب التلاعب بضوابط الاستحواذ الإلزامي، لكنهم لا يأبهون لذلك، ولعل أعضاء اللجنة المالية يدركون أن هذا القانون، بصيغته الحالية، جعل صغار المتعاملين في السوق شركاء لكبار الملاك في أي صفقة استحواذ، وأن تعديلاتهم ستعيدنا كثيراً إلى الوراء، أي إلى فترة كان لدى المالك الكبير حق بيع السهم بسعر أعلى من البقية، وأتت الهيئة لتضع ضوابط تحقق العدالة للجميع.

ثم إن إضافة "المصلحة العامة" من ضمن استثناءات الاستحواذ الإلزامي تجعلنا نتساءل: من يحدد المصلحة العامة؟ ولماذا لم يتم تعريفها؟ وهل وُضِعت لتكون مدخلاً للضغط على الهيئة بغية استثناء البعض من تقديم الاستحواذ الإلزامي لصغار المستثمرين؟

وللتذكير فقط، فإن المجموعة التي تتحدث عن "المصلحة العامة" هي ذاتها التي كانت تسوّق لرفع نسبة الاستحواذ الإلزامي من ٣٠٪ إلى ٥٠٪، فأي مصلحة عامة في الإضرار بمصالح صغار المساهمين؟!

من المهم أن نعود إلى البديهيات، فنسأل أصحاب التعديلات: هل هناك تنظيم للأسواق وتطوير وشفافية من دون عقوبة وقدرة على العقاب؟

لا ننتظر الجواب، لكننا نشير إلى أن تخفيف العقوبات وتعديل مواد محكمة في القانون لمصلحة مواد فيها تأويل واشتباه يهدفان حتماً إلى إعادة الموقوفين إلى التداول، وبالتالي العودة ببورصة الكويت إلى زمن ليس ببعيد، حين كانت التلاعبات والإشاعات والأوامر والصفقات الوهمية هي عنوان التداول.

أعضاء اللجنة المالية والمتضررون من قانون صارم ومرن يدركون ماذا يفعلون، لكن من المفيد أن يعلم الرأي العام أن المادة ١٢٢، على سبيل المثال، تم تفريغها من محتواها، وهي واحدة من المواد الأساسية في فصل العقوبات. واشتراط "ثبوت التورط" لاتخاذ العقوبة أمر يقلص بالتأكيد دور الهيئة ويقيدها، فثبوت التورط من عدمه أمر قضائي تبحثه المحاكم، أما الهيئة فدورها رقابي، وعقوباتها تتخذ وفقاً للتعاملات والمخالفات الواردة، وبالتالي فإن اشتراط "ثبوت التورط" يجعلها مشلولة وعاجزة عن اتخاذ أي قرار.

ويفترض ألا يفوتنا التذكير بأن القضاء في محاكم الاستئناف فصل في دستورية وشرعية تطبيق المادتين 122 و118 اللتين وضعتا مع سائر مواد فصل العقوبات أساساً عند صياغة القانون تحت إشراف وعضوية أعضاء مجلس القضاء أنفسهم. فاقتضى التنويه.

ولعلم الرأي العام الكويتي، فإن غالبية النواب الذين صوتوا في اللجنة المالية لم تحضر النقاشات التي تمت في اللجنة على مدى ٩ جلسات، بل إن معظم اجتماعاتها عُقِد دون نصاب ليأتي موعد التصويت الأربعاء الماضي بحضور كامل وبتعديلات لم تكن مطروحة خلال المناقشات.

واضح أنه بدل أن نعمل على تطوير البورصة كما فعلت دبي وأبوظبي وقطر، والتي تمت ترقيتها العام الماضي إلى مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة بسبب مهنيتها وجودة نظام الرقابة لديها، ترانا نجد لدينا عابثين يحطمون نظام الرقابة وقواعد المهنية في السوق لمصلحة المتلاعبين والمنتفعين الذين عاقبتهم الهيئة، ويبدو أن هؤلاء ليسوا أصحاب نفوذ بسيط في مجلس الأمة.

تلك تعديلات واضحة الأهداف، تفيد قلة وتصيب بالضرر صغار المستثمرين ونظام التداول وعموم الاقتصاد. فيا حكومة، ويا مجلس أمة، قولاها صراحة، إذا كنتما لا تريدان الهيئة فقررا إلغاءها، أما إذا كنتما تريدانها فحافظا على الأصول التي ترعى عملها، وإلا فلا يرفعنَّ أحد شعار محاربة الفساد بينما هو يسهل الفساد والإفساد.