كان يوم الجمعة السابع عشر من شهر أكتوبر الجاري هو أول يوم رسمي حول "يوم تخفيف الفقر" في الصين، وهو اجتماع سنوي يتناول "منتديات وجمع أموال" يهدف إلى حشد الجهود من أجل محاربة الحرمان والعوز، وبفضل التقدم الاقتصادي السريع في الصين طبعاً تمكنت تلك الدولة من تخفيف وطأة الفقر في كل يوم: وقد هبط عدد الفقراء في المناطق الريفية في السنة الماضية بنحو 16.5 مليون نسمة، أو أكثر من 45000 شخص في اليوم الواحد، ولكن ذلك ترك 82.49 مليون شخص رهن أوحال ريفية في نهاية سنة 2013، بحسب أرقام رسمية صينية.

Ad

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية شينخوا أن بعض الأماكن في الصين أكثر سوءاً مما تبدو عليه، وتخفي "أبنية المدينة المسرفة" شريحة من السكان المعوزين، وتعتبر أنحاء أخرى في الصين أقل فقراً من ظاهرها، وهي لا تريد أن ترفع من قائمة "المقاطعات التي ابتليت بالفقر" بسبب ما تحصل عليه من مساعدات ومنافع.

ومن هذا المنطلق فإن الفقر في الصين مسألة تنطوي على بعض الجدال والتشويش، وفي حقيقة الأمر قد لا تكون الصين نفسها على الدرجة من الفقر التي تود وسائل الإعلام الرسمية إظهارها، وتقول وكالة شينخوا ليس صحيحا أن خط الفقر الرسمي في الصين أدنى من المعيار العالمي الذي حدده البنك الدولي عند 1.25 دولار في اليوم. وبحسب ذلك المقياس الدولي تزعم صحيفة رسمية أخرى وجود عدد آخر يصل إلى أكثر من 200 مليون شخص من الفقراء في البلاد، وتردد تلك الصحيفة عبر ذلك الإحصاء المحبط الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الصيني لي كيغيانغ في شهر يونيو الماضي، والذي قال فيه إن "نحو 200 مليون صيني لا يزالون يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لمقياس البنك الدولي"، وربما كان يشير هنا إلى حسابات البنك الدولي في سنة 2005 كما أوردها مارتن رافاليون وشاهوا تشن في مجلة الإيكونوميست.

تقارير مضللة

تعتبر هذه التقارير مضللة ومحبطة في آن معاً، وعلى الرغم مما يقولونه فإنه لا يعيش 200 مليون مواطن صيني في الوقت الراهن تحت خط الفقر العالمي الذي حدده البنك الدولي عند 1.25 دولار في اليوم، وقد حاولنا شرح هذا التشويش على أحد مواقع الإنترنت في سنة 2011 ثم في 2013، وربما يتعين علينا تكراره بشكل سنوي.

يبلغ خط الفقر في المناطق الريفية في الصين 2300 يوان في السنة، أو 6.3 يوانات في اليوم، وبحسب معدلات الصرف اليوم وهي نحو 1.03 دولار فقط فإنها تبدو أقل كثيراً من رقم البنك الدولي البالغ 1.25 دولار، ولكن خط الفقر الذي اعتمده البنك الدولي تم احتسابه وفقاً لمعدلات صرف القوة الشرائية لا على أساس معدلات الصرف في السوق. وبالنسبة إلى البنك الدولي فإن المرء يعاني فقرا شديدا إذا كان يستهلك أقل مما يمكن لـ1.25 دولار شراؤه في الولايات المتحدة في سنة 2005، أما بالنسبة إلى الحكومة الصينية فإن الشخص في المناطق الريفية يعتبر فقيراً إذا كان يكسب أقل مما يمكن لـ6.3 يوانات تقديمه في الريف الصيني في سنة 2010.

وبغية تصوير فكرة معادل القوة الشرائية تود مجلة الإيكونوميست أن تقارن سعر شطيرة "بيغ ماك" حول العالم، ومن أجل تصوير المشكلة الراهنة يتعين علينا التقدم خطوة بعد أخرى: مقارنة سعر الهمبرغر عبر الفضاء والوقت، ومن هذا المنطلق فإن المواطن الأميركي الذي لديه 3.06 دولارات في سنة 2005 يستطيع شراء شطيرة "بيغ ماك"، وبعد خمس سنوات في 2010، فإن المواطن الصيني الذي يملك 13.2 يوانا يستطيع شراء الشطيرة ذاتها، ويعتبر الشخصان في حال جيدة ومتماثلة على الرغم من أن الـ13.2 يوان تساوي 2.15 دولار فقط بحسب معدلات الصرف في الوقت الحالي.

ومن أجل مقارنة خط الفقر بالنسبة إلى الصين مع خط الفقر الذي حدده البنك الدولي يتعين علينا مقارنة كمية المادة التي يستطيع الشخص في كل خط أن يشتريها، ويتطلب ذلك إجراء 4 تعديلات بسبب السنوات المختلفة التي استخدمت في كل خط، وكذلك الأماكن المختلفة والفارق بين أسعار المستهلك والأسعار الأخرى، وبسبب الفارق بين الاستهلاك والدخل.

التعديلات

وفي ما يلي التعديلات الأربعة المشار إليها:

1 – لنبدأ بالسنوات. في الفترة بين 2005 و2010 ارتفعت الأسعار في المناطق الريفية الصينية نحو 17.7 في المئة– وذلك بحسب مؤشر أسعار المستهلك في الريف الذي نشره مكتب الإحصاء الوطني في الصين– وكنا استخدمنا معدل التضخم الوطني وليس الريفي؛ ولذلك فإن مبلغ 6.3 يوانات في سنة 2010 يعادل نحو 5.35 يوانات فقط في سنة 2005.

2 – كيف نستطيع تحويل 5.35 يوانات إلى الدولار؟ يقول البنك الدولي إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين في سنة 2005 والبالغ 14185 يوانا كان يعادل 4965 دولاراً وفقاً لمعادل القوة الشرائية، وبكلمات أخرى فإن 2.86 يوان في الصين في سنة 2005 يمكن أن تشتري ما يصل إلى دولار واحد في الولايات المتحدة في السنة نفسها. وبحسب ذلك المعدل فإن خط الفقر في الصين يساوي 1.87 دولار في معادل القوة الشرائية في سنة 2005، أي 50 في المئة أعلى من مقياس البنك الدولي.

 3 – ولكن معدل الصرف المشار إليه يعتمد على المقارنة بين أسعار كل السلع والخدمات في شتى ميادين الاقتصاد، ونحن نهتم فقط بسلع وخدمات المستهلكين، وتميل أسعار المستهلكين في الصين إلى أن تكون أقل رخصاً مقارنة مع المقاييس الدولية من الأسعار الأخرى. وبحسب برنامج المقارنة الدولي (آي بي سي) في سنة 2011 كانت أسعار المستهلكين أعلى بـ5.4 في المئة من الأسعار الأخرى في ميادين اقتصاد تلك الدولة بصورة عامة، وإذا كانت تلك هي الحال أيضاً في سنة 2005 فإن خط الفقر في الصين يعادل 1.77 دولار في الولايات المتحدة في تلك السنة أو أعلى بنحو 40 في المئة من المقاييس العالمية.

4 – ثمة صعوبة واحدة أخيرة، يعتمد خط البنك الدولي على الاستهلاك، في حين يعتمد خط الصين على الدخل، وما يكسبه المواطن الفقير ليس بالضرورة هو ذاته الذي يستهلكه، وهكذا فإن الشخص الذي يكسب أكثر من 1.77 دولار في اليوم– ويوفر الكثير من ذلك المبلغ– ويستهلك أقل من 1.25 دولار سوف يبدو فقيراً بالنسبة الى البنك الدولي، ولكن ليس بالنسبة إلى الحكومة الصينية، وليس في العائلات الصينية معدلات توفير عالية، وعلى أي حال سوف يكون من الغريب وجود العديد من الأشخاص الذين يكسبون أكثر من 1.77 دولار ولكنهم يستهلكون أقل من 1.25 دولار.

وتتمثل الطريقة الأكثر بساطة من أجل إثبات أن خط الفقر في الصين أعلى من معيار البنك الدولي بمقارنة عدد الأشخاص الذين يقعون تحت كل خط.

مقاييس الفقر

وتجدر الإشارة إلى أن أحدث أرقام البنك الدولي في هذا الصدد ترجع الى ثلاث سنوات خلت بشكل تقريبي، وفي سنة 2011، وبحسب مقياسه البالغ 1.25 دولار، كان عدد الفقراء في المناطق الريفية في الصين 81.72 مليون نسمة (أي ما يعادل 12.31 في المئة من عدد سكان الريف البالغ 663.87 مليون نسمة وفقاً لمقياس البنك الدولي للفقر بوف كال نت)، وقد بلغ رقم الحكومة الصينية بالنسبة الى السنة ذاتها 122.38 مليون شخص، وحقيقة أن المزيد من الناس قد تخطوا خط الفقر الصيني يثبت أنه أعلى من رقم البنك الدولي. وفي حقيقة الأمر يتعين علينا رفع خط الفقر الذي حدده البنك الدولي ليصل الى 1.45 دولار في اليوم من أجل تضمين عدد الفقراء الذين أحصتهم الصين في تلك السنة.

ومهما كان المقياس الذي نستخدمه فإن الصين لا تزال الدولة التي يقطنها عشرات الملايين من المعسرين، وأمامها الكثير من الأيام للعمل على تخفيف معدل الفقر.