لاتزال الصناعة تعاني جملة من المشكلات التي يرى بعض الصناعيين أنها أضحت مزمنة، في حين يرى البعض الآخر أنه يمكن حلها إذا توافرت الجدية لدى الحكومة، وأن تضعها في مقدمة سلم الأولويات، فالصناعة قد تكون، وفق رؤية المتخصصين بالشأن العقاري، المصدر الرديف مع النفط للدخل القومي، ومما لا شك فيه أن أبرز العوائق أمام ازدهار المشاريع الصناعية هو شح الأراضي.

Ad

كثيرة هي المعوقات التي تعرقل تطور الصناعة الكويتية ووصولها الى مصاف الصناعات المتقدمة، علما أن مبادرات الكويت لتطويرها عملت بها دول أخرى فارتقت بصناعتها، بينما لاتزال الصناعة المحلية تراوح مكانها، وفي هذا قمة التراجع عن ركب التطور المتسارع في قطاع الصناعة.

فضلا عن هذا فإن هناك مطالبات عديدة لدى الصناعيين بضرورة تدارك خطر تهميش هذا القطاع، الذي يصفونه بالحيوي، قبل فوات الأوان، لاسيما أن هناك دولا ليس لديها موارد نفطية كالكويت أضحت الصناعة فيها هي المورد الأهم بين مصادر الدخل القومي.

وتنبئ القراءات الحالية، التي تطالعنا بها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بأن الحذر واجب إزاء التوقعات بشأن استمرار انخفاض أسعار النفط، فضلا عن تنبؤات تنذر بنضوب النفط خلال عمر قصير تبقى من حياة آبارنا.

إن البحث عن مصادر دخل أخرى إضافة إلى النفط هو الطريق الذي يجب أن تحث الجهات الرسمية الكويتية خطاها عليه، مستهدفة بأسرع وقت ممكن إيجاد البديل عن المورد الوحيد في البلد، والذي لم يكن مصدر دخل اخترعته يد البشر مثلما حال القطاعات الأخرى وخصوصا القطاع الصناعي.

إن هناك مخرجات تعليم متنوعة الاختصاصات لاتزال حائرة في إيجاد فرصة عمل لها، في وقت تعالت أصواتها بضرورة توفير فرص عمل في قطاعات حيوية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ويخصون بالذكر هنا القطاع الصناعي.

لكن أبرز تلك المعوقات هي ارتفاع تكاليف إنشاء المصانع، والتي تبدأ من لحظة انطلاقة الفكرة في ذهن المستثمر، وذلك بسبب شح الأراضي وارتفاع أسعارها، إن وجدت.

وقد أجمع من التقيناهم في هذه الجولة على أن روح المنافسة تنعدم شيئا فشيئا في قطاع الصناعة، في وقت يلاحظ أن الصناعة الكويتية سيصيبها الهرم عاجلا أو آجلا، في ظل استمرار تواجد العراقيل التي لاتزال تقض مضجع الصناعيين، وتعدم روح المبادرة لدى جيل الشباب.

إن شركات كثيرة لجأت إلى أسلوب جديد للحصول على قسيمة صناعية، وهو الإقدام على شركات أخرى، من أجل الحصول على حصتها من القسائم الصناعية التي تستثمرها، علما أن معظم تلك القسائم هي أملاك دولة.

من جانب آخر، تستمر مطالبات الدولة للشركات الصناعية الكويتية بضرورة تحقيق نسبة العمالة الوطنية، بينما توصد في وجوهها كل منافذ التطوير لصناعاتها، بل ربما وصلت تلك المطالبات الى حد المحاسبة.

معاناة طويلة امتدت عقودا من الزمن أودت بحياة صناعات، وتوشك أن تلحق أخرى بها، بينما لا تزال القسائم الصناعية مجرد تصريحات وحبرا على صفحات الصحف، ولم ير الصناعيون منها على أرض الواقع إلا ما يتم إعطاؤه لبعض الحرف، وفي ما يلي التفاصيل:

المطوع: شح الأراضي قتل

روح المنافسة

اكد رئيس مجلس ادارة شركة سدير للتجارة العامة والمقاولات طارق المطوع أن شح الارض ادى الى قتل روح المنافسة، بل اعدم الامل في ان يكون هناك منافس للصناعات المحلية الموجودة حاليا.

وقال المطوع إن الصناعات الكويتية في ظل شح الاراضي باتت صناعات تعيش حالة الهرم، لأن باب التطوير مغلق، لاسيما ان هناك عنصرا اساسيا تفتقده الصناعات الكويتية، ويعتبر خطوة اساسية ايضا على طريق التطور، ويتمثل في شح الارض الصناعية.

وأضاف ان شركة سدير على سبيل المثال لا تعيش حالة المنافسة مع مثيلات لها من الشركات التي تقوم بذات الأغراض التي يقوم بها مصنع سدير، عازيا الامر الى ان مخرجات التعليم التي من المفترض ان تدخل سوق المنافسة تصطدم بجدار عوائق لا تستطيع تخطيه مهما سعت الى ذلك.

واوضح ان مساحة الارض لمصنع تبلغ نحو 10 آلاف متر مربع، وتحتاج الى تكلفة لانشائه لا تقل عن 10 ملايين دينار، متسائلا: «اي خريج متعلم يستطيع ان يؤمن هذا المبلغ وهو لا يزال طري الامكانيات؟».

واردف ان معظم التكلفة التي يحتاجها اي مستثمر صناعي ينفقها في الحصول على ارض، لان قيمة الارض الصناعية وصلت الى حدود مبالغ فيها، لكن في ظل عدم توافرها من قبل الدولة اضحت تناطح السحاب.

وزاد ان هناك عراقيل كثيرة تنتظر اي مستثمر صناعي، في مقدمتها الدورة المستندية والتعامل غير المرن من قبل الموظفين الحكوميين، فضلا عن الاجراءات غير اللازمة التي يجب ان يجريها اي مستثمر، والتي ربما تموت مبادرته قبل ان ينهيها.

وتابع ان المناطق التي يعلن عنها بين الحين والآخر قد تفيد الاجيال القادمة من الراغبين في دخول المجال الصناعي، أما هذا الجيل فإن اعمال التطوير لديه توقفت، بينما لا تزال بعض الاعمال التطويرية تظهر بين الحين والآخر تحت مظلة بعض الممارسات التي يلجأ اليها الصناعيون لتوسعة مصانعهم بموافقات تمنح لهم على استحياء.

ولفت الى ان منطقة الشويخ الصناعية غادرتها الصناعات في ظل سوء الاستخدام او الاستغلال لها، حتى اضحت تجارية او خدمية، بينما الصناعات التي استوطنتها حتى حين من الدهر قد خرجت وربما تم اغلاق شركاتها.

واستدرك ان قطاع الصناعة يعتبر من القطاعات الحساسة التي اوصلت الدول التي لا تملك مورد النفط كمصدر دخل رئيسي فيها، الى مصاف الدول المتقدمة صناعيا وسياحيا وغيرها من الجوانب الحياتية الاقتصادية.

وأضاف ان الكويت تعيش اليوم حالة وفرة نفطية وفوائض مالية، فيا حبذا لو استغلتها في تطوير صناعاتها لتكون الرديف لمورد الدخل اليتيم الذي لايزال وحيدا لديها وهو النفط، مبينا ان القطاع الصناعي هو المؤهل بين القطاعات الاقتصادية العاملة في السوق ليحتل المكان الثاني بعد النفط في مصادر الدخل القومي للبلاد.

وشدد على ضرورة الالتفات الحكومي الى هذا القطاع، وايلائه المزيد من الاهتمام بدلا من تهميشه، متابعا ان هذا القطاع إذا تم تقديم التسهيلات للراغبين في الاستثمار فيه فسيولد فرص عمل تستوعب معظم مخرجات التعليم الوطنية، ما من شأنه ان يقضي على البطالة او في اقل تقدير الحد من تفشيها في اوساط الشباب الكويتي.

الشرهان: شح الأراضي عطل مشروعات كثيرة

ذكر الرئيس التنفيذي لشركة صناعات الشرهان باسم الشرهان أن مشروعات كثيرة وكبيرة تم تعطيلها بسبب عدم توافر الارض المناسبة لاقامتها عليها، وهذا ما يحرم الكويت من ان يكون لديها مثل تلك الصناعات التي ربما نافست غيرها من الصناعات لدى الدول الكبرى إذا خرجت الى النور.

وقال الشرهان ان معظم المعوقات التي تعرقل مسيرة تطوير الصناعات الوطنية، مثل الدورة المستندية الطويلة والمريرة ورحلة استخراج التراخيص، تم تذليلها في معظم الدوائر الرسمية لدول الجوار، بينما لاتزال في الكويت رحلة شاقة تبحث عمن يذللها امام المستثمرين.

ولفت الى ان تلك المعوقات تبقى حجر عثرة امام تطوير الصناعات الوطنية، غير ان هذا الحجر يبقى اقل حجما من عقبة اسمها عدم وجود اراض صناعية مناسبة لاقامة المشروعات الصناعية التي ترقى بالاقتصاد الوطني الى مصاف الاقتصادات المتقدمة صناعيا.

وبين ان شركات صناعية كويتية تستطيع الحصول على تراخيص في دول الجوار لانشاء صناعات لها في غضون اسابيع، وتبدأ بعدها مرحلة الانجاز للمعمل او المصنع الذي ترغب في اقامته هناك.

وأضاف ان هذه الشركات ذاتها لو ارادت استخراج تراخيص لاقامة ذات المصنع على ارض الكويت فلن تقل فترة الحصول على التراخيص عن شهور إن لم تمتد الى سنوات، فضلا عن المعرقل الرئيسي المتمثل في عدم وجود ارض والذي نأمل ان يتم تذليله عاجلا.

واشار الى ان الجهات المعنية حتى هذه اللحظة لم تضع، ولا يبدو انها تفكر في ان تضع، الصناعة المحلية وتذليل العراقيل من امام مسيرة تطويرها في اول سلم اولوياتها بل هو قطاع مهمش تماما.

النقي: تأسيس المدن الصناعية المتكاملة هو الحل

شدد رئيس مجلس ادارة الشركة العربية للمعادن الخفيفة محمد النقي على ان حل كل المشكلات التي يعانيها القطاع الصناعي يتمثل في ايجاد مدن صناعية متكاملة لا في عملية توزيع قسائم صناعية او حتى بدقيق العبارة الاعلان عن توزيع تلك القسائم، لانه لم يتم التوزيع حتى هذه اللحظة.

وقال النقي ان المعوقات التي يعانيها القطاع الصناعي ليست محصورة فقط في شح الاراضي، بل تتخطى هذا الى الكثير من المعوقات التي تعرقل سير عمل تطوير الصناعات الوطنية

واضاف ان معظم الصناعات الكويتية، التي ربما دخل بعضها مجال المنافسة عالميا، قد توقفت عن النمو في ظل عدم وجود تسهيلات من شتى الانواع تدعمها لتستمر في النمو والتطور والازدهار.

ولفت الى ان المدن الصناعية التي انشئت منذ نحو خمسين سنة مثل منطقة الشعيبة الصناعية كانت مدنا مثالية آنذاك، «لذا نأمل ان يتم اخراج مبادرات وافكار شبيهة تواكب التطور الصناعي الحالي وترتقي بالصناعة الكويتية اكثر فأكثر عما كانت عليه قبل خمسين عاما».

وتابع ان خروج الصناعات الكويتية من منطقتي الري والشويخ الصناعيتين لم يكن اعتباطيا بل نتيجة ضغوط من انواع مختلفة دفعت أصحابها الى اخراجها.

وزاد ان المنطقتين تحولتا الى تجاريتين او خدميتين، وبلغت القيمة الايجارية فيهما مستويات مرتفعة ومبالغ فيها، إذ وصلت قيمة المتر المربع فيها الى نحو 1000 دينار، بينما بلغت قيمة الايجار نحو 40 دينارا للمتر.

واردف ان هناك قضايا السكن العمالية التي هي الاخرى تحتاج الى حل، فضلا عن الدورات المستندية الطويلة التي قضت مضاجع المستثمرين الصناعيين او الراغبين في الاستثمار في القطاع الصناعي، وكل هذه المعوقات او العراقيل لن تذلل بغير ايجاد المدن الصناعية المتكاملة.

واوضح ان الجهات المعنية تستطيع ايجاد الارض المناسبة لاقامة تلك المدن، واطلاق يد القطاع الخاص فيها والذي يملك الخبرة في انجاز مدن صناعية وغير صناعية بمواصفات عالمية، وتستطيع الجهات المعنية ان تضع اشتراطاتها ونماذج المدن التي ترغب في اقامتها بما يتواقف مع المنظر العام للبلاد، وحينها تعطي القطاع الخاص حرية الانجاز وفق ما اشترطته.

الخرافي: الأمر خارج إرادة

يد الصناعيين

أكد رئيس مجلس إدارة الشركة الاولى لصناعة الحديد احمد الخرافي ان توفير الارض الصناعية للراغبين في الاستثمار بالقطاع الصناعي خارج ارادة يد الصناعيين.

وقال الخرافي ان الامر تجاوز حدود الرغبة في الاستثمار بالقطاع الصناعي الى حدود التفكير بشكل جدي من الجهات الرسمية بضرورة البحث عن مصدر رديف للقطاع النفطي، والذي لا يوجد، ربما من وجهة نظر شخصية، قطاع آخر اجدر بأن يحتل هذه المكانة كالقطاع الصناعي.

وأضاف ان الوضع الحالي لانخفاض اسعار النفط ربما من الواجب ان يكون دافعا للتفكير في إيجاد حلول بديلة او رديف لما هو الحال عليه، لاسيما ان استقراءات المحللين العالميين لاسواق النفط تظهر توقعات باحتمال استمرار الانخفاض في الاسعار.

وأشار الى ان هناك جيشا من الموظفين الكويتيين في الدوائر الرسمية (القطاع العام)، مبينا ان ما نسبته 80% من الكويتيين يعملون في القطاع العام.

وبين ان من بين الخطوات الترشيدية في عمليات النفقات وخفضها انهاء خدمات العمالة غير المنتجة، غير انه في المقابل، وطالما ان هذه الخطوة يتعذر الاقدام عليها، فإن من المفترض ايجاد طرق اخرى لتشغيل مخرجات التعليم المستقبلية.

وزاد ان القطاع الصناعي هو المؤهل لاستيعاب المخرجات التعليمية، عبر تنشيطه بتقديم كل التسهيلات التي من شأنها ان تضع عربة القطاع الصناعي على سكة التطوير الصحيحة.

ولفت الى ان الكويت حتى هذه اللحظة تفتقر الى مصادر الدخل غير «مصنع البترول»، وهذا القطاع لن يقوى على استيعاب مخرجات التعليم بأعدادها الهائلة، ولا حتى المؤسسات والدوائر الرسمية إذا استمرت اسعار النفط في الانخفاض.

وشدد على ضرورة دعم الصناعة الكويتية كبديل او حل جذري لمشكلة البطالة، وكذلك ليكون حلا رديفا ومصدر دخل اضافيا الى جانب مصدر الدخل الوحيد المتمثل في النفط، مضيفا ان مساعدة الصناعيين في بناء مصانعهم وتطويرها اولى الخطوات على طريق ايجاد حلول للمشكلة الصناعية، وهذا ينطلق من عملية اطلاق الاراضي او اطلاق المدن الصناعية المتكاملة.

ولفت الى ان المنتج الكويتي من شأنه ان يكون سببا في ادخال العملات الصعبة الى البلاد، طالما انه يمتاز بمواصفات الجودة التنافسية التي يستطيع من خلالها، بل استطاع، دخول اسواق الدول المجاورة وربما الدول المتقدمة.