تحول النقاش السياسي من جديد إلى عمل الطبقة المتوسطة الأميركية، ويحدث هذا الشيء بين الحين والآخر لسببين، أولهما لأن توزيع الدخل تم وضعه بشكل جيد بصورة تقريبية، وعليه فإن وسط التوزيع يقع حيث يوجد القدر الأكبر من المقترعين.

Ad

ثانيا أن أكثرية الأميركيين لا يزالون يعتبرون أنفسهم من الطبقة المتوسطة، ولذلك فإن هذه مجموعة تحظى باهتمام كبير.

والمشكلة، بحسب رأي ايزرا كلاين من "فوكس"، هي أن الطبقة المتوسطة يكاد يستحيل تعريفها وتحديدها، ويرجع ذلك إلى التباين في تكاليف المعيشة المحلية.

وعلى سبيل المثال، فإن كمية المال اللازمة من أجل تحديد الطبقة المتوسطة تختلف بصورة حادة في شتى أرجاء البلاد، وتحقيق 50000 دولار يجعلك تجاهد في مانهاتن، ولكن ذلك المبلغ يجعلك ثرياً في ديترويت.

ويجادل البعض في أنه من الضروري أن تعدل تعريفاتنا الخاصة بـ "الطبقة المتوسطة" و"الطبقة الثرية" مستويات تكاليف المعيشة، ولكن ربما كان في ذلك التعديل الكثير من المبالغة، فهل في نيويورك مثلا يعد ضرورة، أم مجرد رفاهية، شراء سيارة سيارة فاخرة أو منزل كبير؟

تمثل هذه صعوبة بالغة، ولكن توجد مصاعب أخرى أيضاً، فهل يتعين علينا مثلا النظر إلى الثروة، أم إلى الدخل؟ ولنفكر في عائلة ورثت مليون دولار، ولكن دخلها السنوي لا يتجاوز 30 ألفاً، ثم ماذا عن عامل العمر؟ إن الراتب الذي يبلغ 30 ألف دولار يعتبر جيداً عندما تكون في الثانية والعشرين من العمر، وقد تخرجت أخيراً من الجامعة، ولكن ذلك يعتبر متدنياً جداً عندما تكون في الخمسين من العمر.

وإضافة إلى ذلك عندما نتحدث عن دخل عائلة يتعين علينا التفكير في التكاليف، فكون المرء أعزب يجعل حياته أرخص كثيراً من تغطية نفقات وإطعام أسرة مكونة من خمسة أفراد، ولكن العائلة هي أيضاً خيار، كما هو الحال في العيش في نيويورك.

وثمة خيارات أخرى لا يتضمنها حساب الدخل، فماذا لو انني اخترت العمل لعشرين ساعة في الأسبوع فقط، كي أكسب ما يكفي لسد القوت، وأمضي بقية حياتي وأنا أمارس الفنون وألعاب الفيديو؟ هل أنا، في تلك الحالة فقير لأن دخلي منخفض، أم أنني من الطبقة المتوسطة لأنني أعيش حياة رفاهية؟

وقد توصلت إلى استنتاج يفيد بأن فكرة الطبقة المتوسطة هي حالة ذهنية بقدر أكبر مما هي مسألة عتبة دخل، وبشكل أساسي فإن تعبير "الطبقة المتوسطة" يعني الشعور بأنك في الوضع الاقتصادي المماثل للأشخاص حولك، مع الإحساس بتفاؤل إجمالي وأمن في ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، وبكلمات أخرى إذا كنت تظن بأنك تحسن صنعاً وأن الأشخاص المحيطين بك يحسنون صنعاً أيضاً فأنت من الطبقة المتوسطة.

ولهذا السبب تقضي حالة عدم المساواة على فكرة الطبقة المتوسطة، وهي تسهم حتى في تحسين مستوى المعيشة بصورة عامة، وعندما يكسب كل شخص 50000 دولار في السنة يصبح من السهل القول إنك من الطبقة المتوسطة، وإذا بدأ نصف أولئك الناس بتحقيق 150000 دولار في السنة بصورة مفاجئة لن يكون الأمر سهلاً تماماً عندئذ.

وبالنسبة إلى النصف الذي لا يزال يكسب 50000 دولار لم يتغير أي شيء من حيث مستويات المعيشة المادية، وسوف يظل لديهم عدد السيارات ذاته وأجهزة التلفاز ذاتها إلى آخر ما هنالك، ولكنهم قد يفكرون الآن في أنفسهم وأوضاعهم ويتساءلون: "هل أخفقنا بشكل ما؟ ولماذا ما زلت أكسب 50000 دولار في السنة بينما يحقق نصف عدد السكان في الحي ثلاثة أمثال ما أحققه؟!".

في واقع الحال، أنا أظن أن الأمر يمضي إلى ما هو أبعد من مسألة الدخل فقط، وفي الستينيات من القرن الماضي كان لدينا نظام اقتصادي لم يحقق فيه معظم الناس مستوى المعيشة ذاته وكانت لديهم إمكانات واحتمالات اقتصادية متماثلة، يومها كانت الشركات القديمة العهد تهيمن على المشهد الاقتصادي، وكان المواطن يحصل على عمل بعد أن يتخرج من المدرسة الثانوية أو الجامعة ويبدأ بتسلق السلم، وكان في وسعك أن تتوقع كمية من الدخل المتواضع كشخص شاب يزداد بصورة ثابتة مع تقدمك في السن، كما أن معظم أصدقائك وأقاربك وجيرانك يمضون في المسار ذاته.

ثم جاءت حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وأفضى تغير المواقع بشكل كبير إلى تحطيم نظام الشركات الكبرى، وقد نسف مزيج من العولمة والمنافسة والسياسة الليبرالية الجديدة والتغير التقني سلم الشركات القديمة من تحت أقدام العمال الأميركيين. وغدت الحياة الاقتصادية في الوقت الراهن أشبه بلعبة سوبر ماريو حيث تقفز من منصة الى اخرى وتلتقط ما يتاح لك من قطع نقدية.

وفي حقيقة الأمر، أنا عشت في مجتمع طبقة متوسطة، وعندما كنت في اليابان قبل 10 سنوات كان الوضع هو ان العديد من الناس كانوا يعملون في الشركة ذاتها طوال حياتهم، ولم يكونوا من ذوي الاختصاص، وبدلاً من طرح السؤال: "ما هو عملك؟"، كما يفعل الأميركيون فإن المواطن الياباني يسأل "في أي شركة تعمل؟"، وكان ذلك هو كل ما أنت في حاجة إلى معرفته، كان هناك أيضاً شعور بالتساوي في تعريف الطبقة المتوسطة في اليابان.

وطبعاً كان ذلك العالم من الحميمية في طريقه إلى الزوال، كما أن المزيج المكون من التغير التقني والمنافسة المتزايدة من الصين وكوريا الجنوبية قد أرغم اليابان على تبني سياسات تبدو أشبه بسياسة رونالد ريغان بصورة متزايدة، وتختفي صورة المؤسسة هناك اليوم ومعها تختفي الطبقة اليابانية المتوسطة الرائعة.

وهكذا ماتت فكرة الطبقة المتوسطة، ولا توجد عودة إلى الوراء في حياتنا، ويتعين علينا البحث عن طريقة جديدة للتفكير في تشاطر الرخاء في إطار عريض.

* Noah Smith