لأنها تخاف المرتفعات، لم تثق أبداً بقمة السعادة، ولا قمة التعاسة، تجلس دائماً على المرجيحة المعلقة بين القمتين، فكل سعادة تحمل نُذُر تعاستها، وكل تعاسة تحمل بشائر سعادتها، في السعادة تتذكر الغائبين، وتتساءل عن دوام تلك السعادة، في التعاسة يخرج لها القط مبتسماً فجأة من وراء الستائر، أو تأتي قهوتها مضبوطة. من على المرجيحة وصلت إلى الحكمة: كل شيء نسبي، والحياة مراحل.

Ad

أرز باللبن لشخصين، كتاب، أو سأقول إنه "كتيب"، زهري اللون مكون من قرابة ١٢٥ صفحة، صادر عن دار الشروق المصرية. هو في حقيقته تجميع لتدوينات كتبتها رحاب بسام (خريجة كلية الآداب، جامعة عين شمس) في مدونتها "حواديت" ابتداءً من عام ٢٠٠٤، وهذه الطريقة، أعني تجميع التدوينات أو حتى تغريدات "تويتر" في كتاب، أو كتيب، انتشرت مؤخراً بين الشباب وغيرهم بشكل كبير، فأنتجت هراءً كثيراً، والقليل القليل مما يستحق القراءة.

لكن "أرز باللبن لشخصين" من النوع الثاني، فهو كتيب جميل جداً وسهل الهضم وسريع القراءة، وإن احتوى على العديد من الأفكار العميقة التي صيغت ببساطة ومهارة واضحة.

حسناً، هل أنا أقوم بالتسويق للكتاب من خلال هذه المقالة؟

في الحقيقة، نعم! فلو افترضنا أن ٥٠٠ ألف شخص، من مجموع المليون قارئ، ممن سيطلعون على هذا المقال، سيكملونه إلى الآخر فعلاً ولن يستسخفوا الموضوع، ولو افترضنا أن نصف هؤلاء سيجدون المقال جيداً عند النهاية ولن يرموا بالجريدة غاضبين، وأن نصف هؤلاء سيهتمون بكتاب أرز باللبن فعلاً، وأن نصف هؤلاء سيبحثون عنه، وأن نصفهم سيعثرون عليه حقاً، وأن نصفهم سيقررون شراءه بعد الاطلاع عليه، وأن نصفهم سيشترونه فعلاً، فنحن نتكلم عن قرابة الـ٨٠٠٠ آلاف شخص، وبالتالي باعتبار أن عمولتي ستكون نصف دينار على الأقل عن كل مشترٍ منهم، أي 4000 دينار كويتي، فسيكون مربحي مبلغاً محترماً يستحق العناء!

طبعاً أنا أمزح، فلا أتوقع أن يقرأ هذه المقالة سوى مئة ألف قارئ، مما سيغير من كل الحساب أعلاه.

دعونا نتكلم بشكل جاد الآن، الكتاب جيد فعلاً ويستحق الاطلاع، خصوصاً لعشاق كتب القراءات الخفيفة الصالحة لما قبل النوم أو فترات الانتظار أو الاستراحة، ومن الكتب الممكن حملها في كل مكان، لولا لونه الفاقع قليلاً ربما، إلا أن هذه المشكلة يمكن علاجها أيضاً بتغليف الكتاب بورق جريدة رصينة محترمة مثلاً.

تقول رحاب في كتابها الزهري: "لأنها تخاف المرتفعات، لم تثق أبداً بقمة السعادة، ولا قمة التعاسة، تجلس دائماً على المرجيحة المعلقة بين القمتين، فكل سعادة تحمل نُذُر تعاستها، وكل تعاسة تحمل بشائر سعادتها، في السعادة تتذكر الغائبين، وتتساءل عن دوام تلك السعادة، في التعاسة يخرج لها القط مبتسماً فجأة من وراء الستائر، أو تأتي قهوتها مضبوطة. من على المرجيحة وصلت إلى الحكمة: كل شيء نسبي، والحياة مراحل. لأنها تخاف المرتفعات، لم تسع أبداً إلى قمة السعادة أو قمة التعاسة. ولكنها، ولقِصر قامتها، لم تستطع أيضاً أن تلمس أرض الواقع أو قاع الوهم، لذلك تقضي وقتها على المرجيحة، تدغدغ الهواء بقدمها وتدندن بجدية، وإذا رأت الشمس ساطعة، أخذت معطفها؛ وإذا هبت عاصفة مطيرة، أخذت المايوه".

كلام بديع وحكيم جداً، أليس كذلك؟ تأملوا المعنى العميق وستدركون ما أعني!