كل الأحزاب غير البرامجية التي تعتبر نفسها أحزاباً عقائدية انتهت إلى مثل هذه المحطة التي وصل إليها الإخوان المسلمون في الأردن، حتى بما في ذلك الأحزاب العلمانية، فالحزب الشيوعي السوفياتي كان قد انشق مبكراً بين "البولشفيك" و"المونشفيك"، أي الأكثرية بزعامة فلاديمير إليتش لينين، والأقلية بزعامة ليون تروتسكي الذي رفع شعار: "الثورة الدائمة"، والذي انتهى به الأمر إلى الهجرة إلى المكسيك، حيث لاحقته تصفيات ستالين، وقًتِل بطريقة همجية وبدائية، على غرار ما يفعله "داعش" الآن بالنسبة لمناوئيه والذين يخالفونه ويقاومون ما يفعله.

Ad

  والمعروف أن حزب البعث، بالنسبة للتجارب العربية، عرف الانشقاق مبكراً عندما أعلن عبد الله الريماوي، بعد فشل الوحدة المصرية – السورية، الانحياز إلى جمال عبد الناصر، ثم بعد ذلك ما لبثت أن: "كرَّت سبحة هذا الحزب"، كما يقال، فمن حركة الثالث والعشرين من فبراير (شباط) عام 1966، إلى انقلاب حافظ الأسد عام 1970، والتجربة البعثية العراقية، انتهاءً إلى هذا الواقع الحالي، حيث أصبح عزت الدوري "نقشبندياً" والقائد الأعلى لرجال الطريقة "النَّقشبندية"، التي يقال إنها تعاونت مع "داعش" في فترة من الفترات خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ويفترض أنه من المعروف أن حركة: "القوميين العرب" بقيادة الدكتور جورج حبش، وإلى جانبه وديع حداد وهاني الهندي ونايف حواتمة ومحسن إبراهيم، أصابها ما هو أسوأ كثيراً مما أصاب حزب البعث والأحزاب الشيوعية العربية، بما فيها الحزب الشيوعي الأردني، فقد انتهت فلسطينياً إلى جبهة شعبية وأخرى ديمقراطية وثالثة ثورية وتنظيم "فدا"، وانتهت أردنياً إلى حزب "حشد" وحزب الوحدة الشعبية، أمَّا يمنياً فحدِّث ولا حرج، فقد تذابح "الرفاق"، الذين تحوّلوا إلى ماركسيين، وأفنى بعضهم بعضاً، إلى أن استجار آخرهم، وهو علي سالم البيض، بحسن نصر الله و"حزب الله" اللبناني، والتحق بولاية الفقيه!

إن هناك في هذا المجال أمثلة لا تعدّ ولا تُحصى، وهذا يجب أن يقنع الإخوان المسلمين، خصوصا المتشبثين بالتبعية للمرشد العام والارتباط التنظيمي بـ"إخوان" مصر، بأن حركة التاريخ لا يمكن أن تقف عند لحظة زمنية محددة، فواقع نهايات عقد عشرينيات القرن الماضي يختلف عن الواقع المستجد، إن في الأردن وإن في مصر، وإن في كل مكان، ولهذا فإنه أمر طبيعي أن تبرز من بين صفوف الحركة الإخوانية الأردنية هذه المجموعة الإصلاحية التي أدركت بعد تجارب مريرة طويلة، أنه لا بد من التغيير شكلاً ومضموناً، ولا بد من وضع حدٍّ للتمسك بالقبور الدارسة، وأن الشعب الأردني الذي غالبيته، نسبة 60 في المئة من الشباب، لم يعد يراهن على تنظيم أصبح بمثابة هيكل عظمي، ولم يعد معجباً بقيادة توقفت عقلياً وذهنياً عند أربعينيات القرن الماضي... بل وعند نهايات عشرينياته.

كان أول انشقاق تعرض له الإخوان المسلمون في عام 1953 بقيادة القاضي الشهير تقي الدين النبهاني، حيث برز حزب التحرير الإسلامي، وبغض النظر عن كل ما قيل عن أسباب هذا الانشقاق، فإنه يمكن القول، إنه كان نتيجة حالة موضوعية أملتها مفاهيم وانحيازات وتحالفات تلك الفترة المبكرة... والآن مع وجود كل هذه المستجدات، التي كان لا بد من أن يواجهها "إخوان" الأردن، فإنه على المتشبثين بالماضي وبالصيغ والمعطيات التي توقفت عند نهايات عشرينيات القرن الماضي، أن يدركوا أنهم يجدِّفون ويسبحون ضد حركة التاريخ، وعليهم إمَّا أنْ ينصاعوا للأمر الواقع ويضعوا أنفسهم في القاطرة الجديدة، أو أن ينسحبوا ويتنحوا بسلاسة بدون مشاغبات ويفسحوا المجال للشباب والأجيال الصاعدة.