الأحرى أن يكون بيع حصص الدولة تالياً لمرحلة جذب السيولة، بمعنى أن الهدف حالياً يجب أن ينصب على تسويق بورصة الكويت إقليمياً وعالمياً، وذلك بالتعاون بين الهيئة العامة للاستثمار وهيئة أسواق المال.

Ad

رغم إعلان الهيئة العامة للاستثمار، نهاية الأسبوع الماضي، تأجيل طرح بيع حصتها في شركتَي بيتك وزين، والاكتفاء بطرح حصتها في الشركة الكويتية للاستثمار من خلال الاكتتاب العام، بما لا يتجاوز النصف الأول من عام 2015، فإن هذا التأجيل لم ينعكس ايجابا على اداء سوق الكويت للاوراق المالية ولا على سيولته التي سجلت هذا الاسبوع تحديدا تراجعات لافتة بلغت في ادناها 13 مليون دينار في جلسة واحدة.

ولا يعد بيع حصص الهيئة العامة للاستثمار في البورصة قرارا حكيما، والخلاف هنا ليس على مبدأ البيع، بل على توقيته، فإن لم يكن طرح 76.194% من اسهم الكويتية للاستثمار يشكل عبئا كبيرا على البورصة، فإن طرح 24% من رأسمال بيتك وزين، بما يعادل 1.2 مليار سهم بأسعار "تفضيلية" ربما تتجاوز نصف دينار لكل سهم، سيكون ثقيلاً على البورصة في ظل ثبات العوامل الحالية لاسيما شح السيولة.

يأتي ذلك في وقت تعاني السيولة في البورصة ازمة حقيقية، وهناك استحقاقات متنوعة اهمها سعي عدد من البنوك لزيادة رأسمالها تلبية لمتطلبات اتفاقية "بازل 3"، الامر الذي قد يسبب ازمة سيولة في السوق، خصوصا ان طلبت البنوك من مساهميها تغطية اسهم جديدة بعلاوة اصدار، ليكون السوق عامي 2015 و 2016 تحت ضغط رسملة البنوك، وربما يؤدي طرح اسهم وحصص الدولة الى ضغط اضافي على السوق وسيولته.

ترقية البورصة

الأحرى ان يكون بيع حصص الدولة تاليا لمرحلة جذب السيولة، بمعنى ان الهدف حاليا يجب ان ينصب، بالتعاون بين الهيئة العامة للاستثمار وهيئة اسواق المال للعمل، على تسويق بورصة الكويت للمستثمرين الاقليميين والعالميين، وهو ما يستوجب العمل على تطوير العديد من القواعد والنظم.

وهذا بالضبط ما فعلته أسواق الأسهم الخليجية الثلاث، أبوظبي ودبي وقطر، التي ترقت إلى مستوى الاسواق الناشئة، حسب تصنيف مورغان ستانلي (MSCI)، مما اتاح لها استقطاب المزيد من الاموال الاجنبية وإضفاء تقاليد مهنية اكثر على التعاملات، بما يتوافق مع مستوى هذه الاسواق وتقاليدها المهنية.

سيولة وأدوات

وسيضمن ترقية البورصة الى مستويات اعلى توافر سيولة اكبر تستوعب اي اكتتاب لحصص الدولة، سواء كانت للهيئة العامة للاستثمار او التأمينات الاجتماعية او زيادة رساميل البنوك والشركات الكبرى، ولذا فإن الاهتمام بتوفير بيئة استثمارية سليمة تستوعب عمليات الطرح والاكتتابات اولى بكثير من بيع حصص الدولة في فترة خمول وتراجع، بأسعار تقل بنسب تصل الى 70 % عن فترات الرواج في البورصة.

ويتطلب استيعاب البورصة للاكتتابات ايضا ان يكون لدينا في السوق العديد من الادوات الاستثمارية المساندة كصناع السوق والبيع على المكشوف، وتطوير السوق الثانوي وأسواق السندات وغيرها، وان تكون بيئة قادرة على استقطاب الأفكار والأموال من الداخل والخارج.

المحفظة الوطنية

ومادام الحديث عن حصص الهيئة في البورصة، فإن هذا يجرنا الى حديث اخر عن المحفظة الوطنية الاستثمارية التي تأسست عام 2009 لتجنيب بورصة الكويت آثار الأزمة المالية العالمية ولتحقيق عوائد جيدة وفقاً لسياسات استثمارية صرفة، حسب ما ذكر وقتها، ومع هذا لم تعلن المحفظة، التي تديرها شركات استثمارية خلال هذه الفترة، اي بيان عن ارباحها او خسائرها او مكوناتها، وهل تلعب دور صناع السوق على اسهم معينة ام انها تستثمر بشكل طويل الأجل؟ وما اهداف الاستثمار ونسب المخاطرة وتنوعها؟ وما نسبة النقد والودائع والأسهم في مكونات هذه المحفظة؟ فضلاً عن مدى توافق ادائها مع اداء السوق، وهل تحقق نتائج افضل من ادائه أم أسوأ؟

هذه اسئلة لا تجد للأسف من يجيب عنها، خصوصا أن رأسمال المحفظة الإجمالي بلغ 1.5 مليار دينار، في حين أن ما تم سداده فعليا من الجهات الحكومية المساهمة في هذه المحفظة بحدود 750 مليون دينار، مما يفتح مزيدا من الاسئلة حول الآلية التي تم تحديد رأس المال الإجمالي بها، ولماذا لم يتم سداده كاملا، وهل هناك مستويات للمؤشر يمكن زيادة ضخ الأموال لاقتناص الفرص فيها أم لا؟

لذلك فإن الحديث عن اعادة توجيه الاموال السائلة من عمليات بيع حصص الدولة في الكويتية للاستثمار وزين وبيتك في البورصة من خلال المحفظة الوطنية هو حديث لا يروي عطش المتعاملين في البورصة، الذين لم يلمسوا اداء هذه المحفظة ولا يعرفون مكوناتها ولا كيفية عملها.

بالطبع، ليس المطلوب من الهيئة العامة للاستثمار او المحفظة الوطنية أن تمنع نزول البورصة أو ان تنفخ في اسعار الأصول أو ان تجري عملية تجميل لأسهم قبيحة غارقة في الديون أو اخرى مجرد وجودها في البورصة يمثل إساءة للاقتصاد الكويتي وسمعته، بل ان تتصرف بقدر اكبر من الشفافية التي تدحض أو تجيب عن العديد من الشائعات في السوق، وهو ما لم يحدث في عمل المحفظة الوطنية منذ تأسيسها، ولا في المعلومات التي راجت لاسبوع عن اعلان بيع حصص الدولة في بيتك وزين، مما ادى الى خسائر فادحة للمستثمرين نتيجة ضعف الشفافية في التعامل مع ملف مهم من هذا النوع.

أولويات

ربما يكون امام الهيئة ملفات اكثر اولوية من بيع حصصها في البورصة مثل ان تسرع في طرح شركات خدمية دمرتها الإدارة الحكومية كشركة المشروعات السياحية والخطوط الجوية الكويتية للاكتتاب العام والخصخصة، وفقاً لقواعد سليمة بعيدة عن الاحتكار، فلعلها تقدم خدمة جديدة في الاقتصاد الكويتي أكثر من بيع حصص حكومية في شركات يتولى ادارتها القطاع الخاص اصلاً، وهنا يكون الضغط بالتأكيد على البورصة اقل.