«خلال جيل واحد ركبنا الجمال، واليوم نركب سيارات الكاديلاك، وأخشى أن يركب الجيل القادم الجمال، طالما ظل الهدر المالي على حاله». كانت تلك العبارة للراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز، ذكرها وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني في لقاء صحافي في جريدة الأوبزرفر نشر عام 2000، لم يطل العمر بالملك الراحل ليشاهد اليوم بشوارع دول الخليج، وأيضاً بعض العواصم الأوروبية، تفاخر أبناء هذه الدول بمظاهر الثراء الخاوي، واستعراضات الجهل الاستهلاكي بسيارات المازاراتي، وبورشه، والفراري.

Ad

مناسبة الفقرة السابقة كانت عن مقال نشر في دورية «فورن افيرز» مؤخراً، بعنوان «النهم في الخليج، الملكيات تواجه الخطر من الداخل...»، فدولنا الخليجية التي قاست الأيام المرة قبل النفط، تهدر، وتنفق الأموال والطاقة بلا حساب اليوم، فالخطر ليس في تدهور أسعار «سلعة» النفط فقط، بل في الاستهلاك الداخلي لها، فمثلاً بحلول عام 2020 سيكون معدل الاستهلاك الداخلي في المملكة العربية السعودية حوالي 8 ملايين برميل، فماذا يبقى كي يصدر للخارج إذا ظلت معدلات الاستهلاك على حالها، سواء في المملكة أو بقية دول الخليج؟!... واليوم نطالع الأخبار عن مفاوضات تجريها الكويت لاستيراد الغاز من إيران بعد العجز عن استيراده من قطر! (صورة جميلة للتفاهم والتكامل بين دول المجلس)، وحتى يصل الغار الإيراني تظل محطات الكهرباء وتحلية المياه تعمل على حرق النفط بتكلفة عالية.

   وإذا لم نعد من الدول المصدرة للنفط، فماذا يبقى لدينا؟ وهل ستبقى الأهمية الاستراتيجية لهذه الدول على حالها حتى تستمر معها مظلة الحماية الأميركية؟ مخاوف يجب أن تقلقنا اليوم وغداً، فالبنزين الأرخص في العالم تجده في السعودية، وبعدها الكويت على ما أعتقد، وفي قطر توفر الدولة الكهرباء للمواطنين دون مقابل، وفي الكويت يدفع المستهلك مقابل الكيلوات للكهرباء بأقل خمس عشرة مرة من المستهلك في الولايات المتحدة، وكلمة المستهلك الذي تدعم جيبه الحكومة هنا لا تفرق بين موظف براتب ألف دينار يدفع نصفه إيجار شقة، أو شركة تملك المجمعات التجارية والاستثمارية، ولو رفع الدعم عن مصادر الطاقة، مثل الكهرباء والبنزين وغيرهما، لوفرت الدولة 60 في المئة، لكنها لا تريد ذلك، ربما، حرصاً من السلطة على رضا أصحاب المجمعات والمصانع الكبرى الذين ينتجون رقائق الكمبيوترات من وادي «سيلكون» بالدبدبة... أو ربما  تخشى غضب المواطنين، الذين سيجدون في ملفات الفساد المالي والإداري التي تضج بها الدولة مع غياب الإنصاف والعدل والشفافية في مؤسسات الدولة وتوابعها كل الأسباب لعودة مظاهرات الرفض من جديد...!

 لنترك دول الخليج الشقيقة، فقوانين المطبوعات والنشر والجزاء وقريباً الاتفاقية الأمنية، ومشاريع مجلس الأمة، لا تفسح مجالاً للنقد الفكري، ولنبق في الكويت التي يحيا بها جيلي على «توستولوجيا» الأمس بذكريات الستينيات والسبعينيات، ونسأل شيوخنا الكرام ما العمل للغد؟ وماذا ستقولون لنا غير خطاباتكم الرسمية عن خزائن صناديقنا السيادية واستثماراتنا الخارجية التي لا تنضب حسب وهم الواهمين؟ ماذا تخططون للقادم وهو قريب جداً؟ أضعف الإيمان علموا شبابنا ركوب الجمال ليكونوا مستعدين لما بعد الآن!