قبل سنوات فكرت في فتح مشروع تجاري صغير، بقالة تقع على باب مضيق "شارع الأردن"، المعبر المالي الاستراتيجي المتحكم في طرق المواصلات بين قارتي "الفروانية" و"العمرية"، يومها حشدت جيشي الفاتح المكون من ثلاثة آلاف دينار وأحرقت أمام عينيه سفن "المشاعر السلبية"، لأخطب فيه بعدها خطبة عصماء قلت فيها: يا ذوي درهم؟ الفيزا من أمامكم والماستر من خلفكم! فأين المفر؟! ثم حملت بيرق دعاء الوالدين وانطلقنا أنا وجيشي المتواضع نحو معاقل البيرقراطية الكبرى لأبتغي هناك تملك ترخيص أو تموت أحلامي فأعذرا.

Ad

ولا أخفيكم علماً لم تستمر المعارك سوى ستة وستين يوماً، بعدها "تطشرنا" أنا ودنانيري شذر مذر... و"فذر" أيضاً، تقهقرنا لا نلوي على "كاش" ولا على "كي نت"، متراجعين بلا هوادة نحو ساحل "البوك الأسود" الفرزاتشي، كانت الخسائر كبيرة ومروعة، تناثرت أشلاء الدنانير على طول الطريق "أرباعاً وأنصاصاً" رغم استبسالها المنقطع النظير لله درها ودرهمها!  وربما يكون سبب خسارتنا هو أننا لم نحسب حساباً لشتاء "البيروقراطية" القارس، فتوغلنا في أراضي "الدورة المستندية" إلى أبعد مدى، حتى حوصرنا على حين غرة من "صقيع الأوراق المطلوبة"، ونحن في منتصف الطريق!

وللتاريخ ولكي لا أظلم بواسل دنانيري لذكراها الخلود، فأحرمها مجد شجاعتها أمام مؤرخي وول ستريت، لا بد من القول إننا قبل أن نهوي أمام الشتاء البيرقراطي حاربنا وانتصرنا في معركة "احجز رقم" المجيدة، ومعركة "تعالنا بعد أسبوع" المظفرة، بل استطعنا حصار "مكتب السيد المدير" حتى سقطت قلعة توقيعه الأخيرة، ولكن ومع استمرار المعارك استنزفت قوانا وبشدة، خصوصا بعد استخدام العدو البيروقراطي وبدهاء سياسة "الأعصاب المحروقة".

 حاولنا الصمود داخل أراضي "الدورة المستندية" القاحلة قدر المستطاع حتى كانت النهاية حينما ضربت خطوط إمدادنا بعد معركة "القرض" البحرية، يومها انقضت سفن أسطول "الأقساط" في ليل بهيم على سفن أسطول "الخردة" الحليفة والراسية بسلام في ميناء "حساب التوفير"، تهاوت ليلتها سفن "المئة فلس" تحت الضربات، واشتعلت بها النيران، وتبعتها غرقاً مراكب "الخمسين فلس" الخفيفة، حتى قوارب النجاة من "العشرين فلس" و"العشرة فلوس" لم تسلم من الدمار!

 كانت مذبحة لا تنسى بعدها خسرت كل أمل أدخره للأيام وأنا أشاهد "السُفن" و"الكُتب" تغرق معا وتهوي نحو قعر بحر المسحوب من الرصيد.