منذ أكثر من عشرة أعوام؛ كانت لاعتصامات الكتاب والأدباء والمثقفين ضد الرقابة وقفة احتجاجية عند إقامة معارض الكتاب الدولي، أو اعتراضاً على منع كتاب، أو عند التضييق على منشورات المكتبات ومعروضاتها من الكتب. ورغم قلة العدد نسبياً مقارنة بالتظاهرات لأجل الحريات المتعلقة بالقضايا السياسية، تحمل الذاكرة صوراً مؤثرة للتجمعات المدافعة عن حق الإنسان في التعبير والاختيار، وكانت تحمل في كل مرة شعارات مختلفة، أبرزها: «الحملة الشعبية للدفاع عن الكتاب» و{مبدعون كويتيون» و{لا للرقابة». وشارك فيها كثير من الأفراد والجماعات الثقافية وبعض جمعيات النفع العام. ولكن تراجع هذا الحراك في السنوات الأخيرة. فهل استبدلت مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع النشر الإلكتروني بالساحات التي شهدت تلك الاعتصامات؟

Ad

شارك الروائي إسماعيل فهد إسماعيل في أكثر من اعتصام، وكثيراً ما عبَّر عن رأيه الرافض للرقابة في وسائل النشر كافة، وفسَّر اختفاء هذه الفعاليات بانحسار أثر الرقيب أمام الثورة الهائلة في وسائل الاتصال والنشر الإلكتروني، إضافة إلى عدم وجود الأثر في المؤسسات المسؤولة عن الفعل الرقابي، ولانعدام وجود تنظيمات فاعلة بمنهجية وقضايا أساسية محركة، وقال: {تأتي مشاركة الكتاب والأدباء في الاعتصامات ضد الفعل الرقابي بوازع شخصي، وقد تُعرِّض المشاركين فيها لبعض المضايقات الأمنية والرسمية والاجتماعية أيضاً}.

وتابع: {هذه التنظيمات مؤقتة وسرعان ما تنتهي بلا أثر مغير، فالمسؤولون لا يلتفتون إلى مطالب الكتَّاب، وصناعة الكتب ونشر الثقافة في رأيهم ترف وأمور ساذجة. ولكن ما إن يرعبهم عنوان كتاب أو محموله الثقافي وقيمته المعرفية، حتى تتنبَّه مجساتهم الرقابية لتسحبه وتمنعه. وهاجس الخطر ممتد ونسبي ومهم، فقد يكون {الموضوع} سبب المنع، وربما تكون {مفردة مكتوبة} لا غير}.

وأكَّد إسماعيل أهمية التنظيمات قائلاً: {الاعتصامات ذات طابع جماهيري، ولا يمكن جمع حشود فاعلة تطالب بحقوق الكتاب وترفض الرقابة ما لم تكن ضمن تنظيم يؤمن بالحريات ضمن مبادئه، أو بإقرار إشهار الأحزاب والتنظيمات السياسية التي قد تتناول القضية. لكن النشاط السياسي في بلداننا {موسمي} بما تقتضيه الانتخابات والأحداث السياسية العابرة}.

إلغاؤها مطلب أساسي

أشار الكاتب بدر محارب، وهو أحد النشطاء المبادرين دوماً في الدفاع عن حق التعبير، طرحاً مباشراً في أعماله المسرحية أو كتاباته أو مشاركته في الاعتصامات، إلى أهمية إلغاء الرقابة، قائلاً: {كل كاتب حر لا يتمنى سوى مزيد من الحرية وارتفاع سقفها، والذي لا يتحقق إلا بإلغاء الرقابة أو بتقليص عمل سيفها المسلط على كل إبداع قد لا يتفق مع هوى الرقيب أو لا يتناسب مع توجه السلطة}.

وأضاف: {مع تزايد ضغوط لجان الرقابة على إبداعات كل من يتخذ وسيلة تعبير متنفساً له، كان لا بد من وقفة جدية للحد من سلطة الرقيب الذي يتدخل حتى في {نوايا} المبدع. ورغم أن ثمة اعتراضات من بعض المثقفين على هذا التعسف في تقييد الإبداع، فإنها صيحات لا صدى لها، ولا تملك تأثيراً كونها صادرة عن أفراد لا يملكون كياناً أو تنظيماً مؤثراً، وهذا ما تسبب بالتراجع وقلة التنظيمات الاحتجاجية ضد الرقابة من الأفراد}.

تخاذل المؤسسات

وعن دور المؤسسات المعنية بالثقافة، قال محارب: { كان لا بد من تحرك على مستوى المؤسسات الثقافية والمعنية بالشأن الأدبي والفني. ولكن للأسف، لم تتحرك هذه المؤسسات لتسجيل موقفها من هذا التكبيل الذي لا يتفق مع روح العصر وعصر العولمة وثورة المعلومات التي نعيشها. وقد يعود تقاعس هذه المؤسسات إلى أنها ترى ألا جدوى من تحدي السلطة ومواجهتها، علاوة على أن غالبيتها مدينة للحكومة بتواجدها على خارطة المشهد الثقافي ككيان ثقافي ومقر معماري. لذا أتمنى أن أرى مستقبلاً تنظيمات ومؤسسات ثقافية تبادر وتعلن رفضها قمع الفكر وتقييد حرية التعبير، وتؤكد مطالبها بأي شكل من أشكال وسائل التعبير، لتتمكَّن من إيصال صوت المبدعين ورفضهم سياسات الرقابة التي لا تستند إلى أي معيار أو منطق عصري}.

تدهور على مستوى دولة

ورغم مشاركة عضو مركز {تنوير للثقافة} طالب المولي في الاعتصامات السابقة، فإنه بدا يائساً، وهو يقول: {لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي دور مهم في عدم اهتمام المثقفين بالاعتصامات، وذلك لسهولة الحصول على أي كتاب ممنوع بسهولة أو تحميله إلكترونياً، من دون الحاجة إلى استجداء وزارة الإعلام بالسماح لهذا الكتاب أو ذاك. ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أإحد أهم مصادر شراء الكتب الممنوعة مع خدمة التوصيل إلى المنزل}.

وتابع: {لم تعد الاعتصامات ذات جدوى في نظري إلا لتسليط الضوء على التراجع والتقهقر على المستوى الثقافي في دولة الكويت، وهو أمر طبيعي بسبب الوضع المتردي في جميع المجالات وفي مفاصل الدولة، والفساد الذي أصبح ظاهرة في جميع أروقتها، ولا يمكن استثناء المشهد الثقافي من هذا التدهور}.

عملاء مزدوجون

رأى المولي أن الثقافة صارت وسيلة أساسية لبعض المسؤولين ضمن أجندة بعيدة عن الثقافة، وهو ما يفسر ابتعاد المؤسسات الثقافية عن التفاعل والمشاركة في الاحتجاجات، {بعدما حاول كثيرون منهم استغلالها لأغراض سياسية، ليتحول مشروع الثقافة في الكويت إلى وسيلة للمعارضة السياسية، لكسب جولة ضد الحكومة}، مبيناً ممارسات بعض المعارضين الذين يطالبون بتفعيل قوانين الحريات، بينما يشاركون بدور أساسي للضغط على الحكومة لمنع الكثير من الكتب، ليصبحوا بجدارة عملاء مزدوجين}.

خذلان وتسلط

أكدت الكاتبة دلع المفتي حالة التدهور على مستوى البلاد العام، فعبرت بيأس بالغ، يرافق خيبتها بمنع الرقابة روايتها الأخيرة {رائحة التانغو}، عن «سطوة الشعور بالعجز واليأس الكامل من كل ما يتعلق بالحريات والحقوق الإنسانية وتشجيع التعبير عن الرأي والإبداع بالأشكال الأدبية والفنية والوسائل التعبيرية الحديثة، وقالت: {حالة شاملة من الخذلان، من كل شيء، من أي شيء، فالفرح ناقص، والإبداع ناقص، والحريات ناقصة، ولم يعد يرافق كل هذا إلا التسلط الرقابي وكبح الحريات، والذي نراه في منع الكتب والملاحقات القانونية والحبس الذي قد تتسبب به تغريدة مجردة أو مدونة في وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت}.

وأضافت: {المفارقة أني أحرم من كتابي في الكويت وأذهب للاحتفاء به في معرض الرياض. هل ثمة خذلان أكثر من ذلك؟}.

وتساءلت المفتي عن سبب منع ما يمكن أن يكون الأكثر أهمية لثقافة المجتمع ووعيه، قائلةً: {الوصاية على العقول التي تمارسها الرقابة تتعامل مع البشر كقاصرين، تريد الحفاظ عليهم بعيداً عن القراءة عن العالم وما فيه وتحذيراً من الأفكار التي تراها {أخطاراً محدقة بهم} بحبسهم ومنعهم من التعرف إليها، ولا يأتي توجيهها إلا بالتلقين المباشر}.

وأكدت أن استمرار وجود الرقابة بشكلها الحالي محبط للكتَّاب، وأن متابعة هؤلاء لإفساح كتبهم واستفسارهم عن أسباب منعها بلا إجابات يمنعهم من الإبداع، ما يشل النشاط الثقافي عموماً ويتسبب بالتراجع. حتى الاعتصام دفاعاً عن الكتب، في ظل وفرة وسائل النشر الإلكترونية التي تكفي الجميع، مذلة للرقيب}.