جاء الحكم الأخير للمحكمة الإدارية بإعادة الجنسية للنائب السابق عبدالله البرغش وعائلته ليعيد الجدل مجدداً حول علاقة الجنسية بمسألة السيادة. كما جاء الحكم ليثبت حقاً أصيلاً للقضاء في النظر بالقضايا الحقوقية وأهمها قضية الحق في الجنسية.

Ad

موضوع الجنسية ثابت في المنطق الحقوقي، ولا ينبغي له أن يعالج بالمنطق السيادي، وإعطاء الحكومة حقاً مطلقاً لا مراجعة قضائية بعده، فتسحب الجنسية ممن تشاء دون حتى الإفصاح عن السبب.

ولعله بات واضحاً أن مفهوم السيادة لم يعد ذلك المفهوم الثابت الذي لا يتغير. فمثلاً كان يمنع على المحكمة الإدارية النظر في قضايا امتيازات الصحف بحسبان أنها مسألة تتعلق بسيادة الدولة، وهي ضمن قضايا أخرى كالإبعاد ودور العبادة والجنسية، إلا أن ذلك الأمر تغير بعد صدور قانون المطبوعات سنة 2006، وجعلها خاضعة لنظر القضاء، وبالتالي شطبها من قضايا السيادة، ما يعني أن مفهوم السيادة ليس بالثبات الذي يريد أن يحاول البعض إيهامنا به. بل إن الكثير من القضايا التي كانت سيادية كالجوازات والإقامة والفيزا الموحدة والعبور بالهويات والتواجد العسكري والرقابة المباشرة على الدول في بعض الأمور تغيرت إلى أمور عادية وألغيت عنها الصفة السيادية.

كذلك فإنه ومنذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان والبدء بالمراجعة الدورية الشاملة صار لزاماً على كل دول العالم أن تقف على منصة المساءلة في جنيف، وتقدم تقريرها عن أوضاعها الحقوقية أمام العالم وبالصوت والصورة، والاستماع إلى انتقادات الدول وتوصياتها بإصلاحات، وقبول الكثير منها دون اللجوء إلى السيادة كعنصر دفاع.

عندما بدأت حملة سحب الجناسي المستندة إلى اعتبارات سياسية الصيف الماضي، وشملت عدداً من الشخصيات الذين لديهم رؤى مخالفة لتوجه الحكومة، حذرنا من مغبة المضي في هذا الإجراء الذي وصفناه حينها بأنه سلاح دمار شامل، ينتقص من حقوق الإنسان، وينتهك من سيادة الدولة ويسلمها للسلطة، فالسلطة أو الحكومة ليست إلا جزءاً من معادلة الدولة الرباعية، التي يكون فيها المواطن أو حامل الجنسية عنصراً سيادياً يتجاوز الحكومة في أهميته وعمقه الاستراتيجي، وإن تدمير المواطن بهذه الصورة هو تدمير لبنية الدولة بفعل فاعل، وها هو القضاء يؤصل المنظور الحقوقي الذي عانى من العبث طويلاً، وكان أن توقف المضي بإجراءات قياسية ضد عدد كبير من منتقدي الحكومة، وهو أمر يجعلنا نثمن موقف الذين ساهموا داخل الحكومة في إيقاف عجلة الانحدار السياسي في سحب الجناسي.

نتمنى على الحكومة ألا تستأنف الحكم، وأن تعطي مثلاً لانصياعها لروح الدستور والمعايير الدولية، وإغلاق هذا الملف نهائياً، وإعادة الجنسيات المسحوبة على أسس سياسية لأصحابها، وإنهاء معاناتهم ومعاناة أهلهم.