أصبح من السهل أن تغزو الوسائل الإعلامية عقول الناس بما تتداوله عبر شبكاتها المتعددة والمتنوعة، موقِنة أنها تصل إلى كل الفئات العمرية.

Ad

 ولا يخفى على كل صاحب لُبّ أن من يمتلك تلك الوسائل والوسائط إنما يكون هدفه الأول هو الشباب، ذلك أنهم الأكثر قدرة على التعامل مع هذه الوسائط التقنية، والحديثة منها على وجه الخصوص.

ثم إن التوجه إليهم (الشباب) هدف، بقدر ما هو قريب، فإن وراءه هدفاً بعيد المدى، المقصود منه أن يتربى الشباب على أسلوب حياة مغايرة، يبدو يسيراً لهم، بينما هو الشرَك الأعظم المنصوب ليقعوا فيه.

 ولأن شبابنا قد انتفعوا من التقنيات التي فَتحت أمامهم عالماً كانوا يجهلون الكثير عنه، وخرجوا من قيود كانت تكبلهم، حين أتيح لهم تجاوز سطوة "الرقيب الإعلامي" على الصحف أو التلفزة المحلية أو في المنهج التعليمي بكل مستوياته، فإن الطريق قد انبسط أمامهم ليسيروا في الاتجاه الذي يتوافق مع تفكيرهم ورؤيتهم وأمنياتهم التي طالما اصطدمت بجدار التقاليد والممنوعات والمحظورات التي تبين لهم أنها قيود وحواجز عطلت تفكيرهم وملكاتهم الإبداعية، وضعها في طريقهم أعداء التطور والغافلون عن القيم المتجددة في عصر سريع الإيقاع والأدوات.

استطاع شبابنا أن يؤكدوا قدرتهم على اللعب الصحيح في ملعب الحياة، فتجلت إبداعاتهم في ما طرحوا من حلول لمشاكل المجتمع بكل أشكالها، ولعل الفضاء المفتوح قد أضاف شيئاً جديداً إلى شخصية الشاب العربي، ألا وهي الثقة بالنفس، والجرأة والتحدي بطرح كل ما يصطدم بالرفض وعدم السماح من قبل "الرقيب" وغيره، فترك لضميره الإنساني حق المراقبة التي اجتهد أن تكون إبداعاته في مكانها وصورتها الصحيحة.

 هناك إجماع على أن الشباب هم الذين يقودون التجديد والتطور في المجتمعات الإنسانية بخبرة الكبار من الخلاقين والمبدعين، وأن الرسالة الإنسانية يكمل بعضها بعضاً، بأن يتسلم الشباب ممن سبقوهم كل منجزاتهم وخبراتهم، ثم يوالفونها مع الحاجة والضرورة، هي سُنة الحياة، جيل يسلم جيلاً مفاتيح صناديق الحياة المغلقة والغامضة ليلج ويكتشف أسرارها الكثيرة "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً".

 ولا يمكن لأي مجتمع أن يغفل قيمة الشباب أو أن يتجاوزهم، لذلك نرى الأمم المتقدمة تفرد حيزاً كبيراً في خططها ليمارس فيها الشباب دورهم، ليمنحوا كل ما يمكن أن يحقق لهذه المجتمعات إضافات في منهاج الحياة.

 في مجتمعنا الفلسطيني، على سبيل المثال وفي جو الحصار التام على قطاع غزة، استطاع الشباب تطوير الكثير من الأجهزة والاستفادة من العديد من المواد المستهلكة تحت وطأة الحاجة، فقد سمعنا أنه في أزمة عدم توفر الوقود تم استخدام الزيت المستخدم بعد "قلي الفلافل" كوقود للسيارات، كما تم تطوير سيارة صغيرة بأبسط الأدوات المحلية.

 وكذلك في بلاد عربية أخرى، كان الشباب وراء الكثير من المنجزات، ولعله من المناسب أن نذكر ما شاهدناه على قناة "المحور" المصرية من لقاء مع شاب مصري اخترق الموقع الرسمي لجيش"الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش" واستطاع إلغاء كل ما فيه، وتم إغلاق الموقع.

 ولو ذكرنا أن الشباب كانوا وراء التغيير الكبير في الوطن العربي حين كانوا وقود الثورات الربيعية لقدمنا دليلاً مهماً على قدرة شبابنا وإمكانياتهم وإبداعاتهم، وأن الشباب "المتعلمين" و"الأحرار" هم الأقدر على صنع مستقبل البلاد، ذلك بأنهم ليسوا بأقل قدرة من شباب العالم الآخرين، إذا ما وقفنا نوجههم ونرشدهم بخبرات سليمة وصحيحة.

 هذا يجعلنا ننادي بضرورة تبني قدرات شبابنا وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لهم، كي ينهضوا بالأمة من كبوتها ويحققوا أحلام وأماني أجيال عدة لم تكن الظروف مهيأة لهم كما هو الحال اليوم.