بيد أنّ كويلو يرى نفسه حالماً وكئيباً في آنٍ. جنى أهله على روح شبابه المتمرّدة بطلب اللجوء ثلاث مرّات، وقد سُجن وتم تعذيبه كونه كاتب أغانٍ انتقدت الحكم العسكري في بلاده في ثمانينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من ذلك كلّه، لا يزال كويلو رجلاً سعيداً وزوج المرأة التي ارتبط بها قبل 35 عاماً، ويشعر بامتنانٍ عميق لاجتيازه عاصفة التغيير التي سمحت له بإصدار رواية كلّ سنتين.

Ad

كتب إلى الآن 30 كتاباً، بما فيها «على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت»، «الجبل الخامس»، «فيرونيكا تقرّر أن تموت»، «الشيطان والآنسة بريم»، «فتيات فالكيري»، «ساحرة بورتوبيللو» و{بريدا». في روايته الجديدة «الزنى»، تواجه صحافية وزوجة وأمّ في أواخر الثلاثينيات الرتابة والكآبة اللتين تكتنفان حياتها المثالية عندما تلتقي مصادفة بصديقها أيّام المدرسة الثانوية – وسرعان ما تخاطر بكلّ شيءٍ لتعيد اكتشاف نفسها الحقيقية. تحدّث موقع «غودريدز» إلى كويلو، الذي يقسم وقته بين ريو دي جانيرو وبيتٍ ريفي في جبال البرانس في فرنسا، عن كتابه الجديد، وعن الدور الفاعل الذي اضطلع به في نشأة الكتاب متابعوه على فيسبوك الذين وصل عددهم إلى 21،4 مليوناً ومتابعوه على تويتر الذين بلغ عددهم 9،4 ملايين شخص، وأن اختيار أن نعيش حياةً آمنةً ومريحةً يمكن أن يكون أسوأ خيار نتّخذه قطّ.

ما الذي جعلك عصبياً بشأن كتابة روايتك «الزنا»؟

لا شيء. لا شيء.

حقاً؟

العنوان. أجل، لأنّ الناس يقولون: «لن يشتري أحدٌ كتابك المسمّى «الزنا» ويهديه لزوجته أو تهديه لزوجها أو أمّها». فأجبتهم: «أنا آسف، لكن هذا هو عنوان الكتاب ولا يمكن تغييره».

أعتقد أنّ العكس سيحصل، أعتقد أنّك ستحقّق مبيعاتٍ ضخمة لكتابٍ يُدعى «الزنا».

(يضحك) الكتاب جيّدٌ للغاية إلى الآن. تصدّر لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في البلدان كافّةً التي صدر فيها، بما فيها فرنسا. ثمّ يمازحني بعضهم بالقول: «لم تردْ زوجتي أن أقرأ هذا الكتاب». هذا أمرٌ مضحك، إذ إنّ كثيراً من الرجال يقرؤون هذا الكتاب.

لم قرّرت إذاً أن تجعل بطل الرواية امرأةً؟

لأنّه من الأصعب تقبّل الزنا في حالة المرأة منه في حالة الرجل. لا أعلم السبب وراء ذلك، لكنّ الناس يسلّمون بأنّ الرجال غير مخلصين. أمّا المرأة، فلا يمكن عموماً أن تفعل مثل هذا الأمر الرهيب أبداً. لذا قلت في نفسي: «حسناً، فلنسمع ما ستقوله امرأةٌ حيال هذا الموضوع».

يثيرني الفضول – لمَ لا اسم لزوجها؟

لا أعلم! كثيراً ما تقع على كتبٍ تحتوي على أسماءٍ كثيرة فتغدو مرتبكاً. لا أعتقد أنّني سمّيتُ زوجة السياسي. بلى، بلى، إنّها تحمل اسماً. لا أتذكّر الاسم لكنّها تحمل اسماً.

هل تعتقد أنّ الاكتئاب والخيانة يلازم واحدهما الآخر؟

دعني أخبرك كيف قرّرت أن أكتب الكتاب. ارتأيت في البداية أن أتناول موضوعاً يتعلّق بالناس، لأنّ لي مجموعةً اجتماعية مهولة على فيسبوك وتويتر وغوغل بلاس. تفقّدي صفحتي على فيسبوك لتتأكّدي. لكنّني قلت في نفسي إنّني مشهورٌ وشعبي للغاية، فلم لا أتناول موضوعاً ذا صلة؟ اعتقدت أنّ الكآبة قضية جوهرية اليوم. فقلت: «حسناً، سأنشر شيئاً عن الكآبة وأريدكم أن تتفاعلوا معه. لن أذكر أسماءكم. أرسلوا رجاءً تجاربكم وآراءكم على هذا البريد الإلكتروني. وفي خلال 24 ساعةً، حصلت على أكثر من ألف إجابةٍ، وقرأت من بين هذه الإجابات الألف عن الكآبة السريرية. كثيرون كتبوا: «أنا كئيب لأنّ أحدهم خانني». لا تكمن المشكلة في نقص المكوّنات الدوائية الكيميائية، بل في أنّ الناس يشعرون بالخيانة وتفقد الحياة معناها. فقلت: «حسناً، فلنتكلّم على الخيانة».

لكن إجابات الناس كانت مهولةً والمشاركات المكتوبة طويلة لدرجة أنّني فكّرت في أن أجعل منها كتاباً. لذا رحت ألجُ إلى المنتديات، من دون ذكر اسمي طبعاً، كي أرى كيف يتفاعل الناس وكيف يبدون أسفهم حيال واحدة من القضايا الأساسية. كان الردّ الأولي: «سوف أتطلّق وأنفصل عن شريكي لأنّه خانني». ثمّ بعد ذلك يأسفون. لذا بدأ هذا الكتاب شيئاً فشيئاً بشكل مشاركاتٍ تفاعلية، ثمّ كتبت كتاباً يستند إلى تجارب الناس.

الكتاب حقّاً تأمّل في الزواج وفي كونه دائماً في حالة تغيّرٍ مستمرّ.

أنا متزوّجٌ منذ 35 سنةً. أتمشى الآن هنا في الريف وزوجتي إلى جانبي. وفي نهاية اليوم، تصير شخصاً مختلفاً تمام الاختلاف، جسدياً وعقلياً، عن الشخص الذي تزوّجته قبل 35 عاماً، والأمر نفسه ينطبق عليّ. لكنّ الناس يتزوّجون عادةً ثمّ يريدون أن يبقى زواجهم مغلقاً في الزمان، لذا يعتقدون أنّهم لن يتغيّروا. سوف نتغيّر. الجميع سيتغيّرون. لذا فإنّ تقبّل هذه التغيّرات هي جزءٌ من حياتنا يجعل من الزواج نعمةً لا نقمةً، لأنّ الحبّ أقوى من أيّ شيءٍ آخر.

تكتب في الكتاب: «ليس الحبّ مجرّد شعورٍ، إنّه فنّ. ومثله مثل أيّ فنّ، لا يتطلّب إلهاماً وحسب، بل أيضاً الكثير من العمل». ماذا تعني بذلك؟

تخصيص مساحةٍ للآخر حتى ينمو والسيطرة على الغيرة التي لا تؤدّي إلى أيّ مكانٍ. أعتقد بشكلٍ أساسي أنّ هذه الأمور بمثابة مفتاحٍ لاجتياز العواصف.

إحدى القضايا التي يتمحور حولها الكتاب اعتراف البطلة بأنّها وحيدة، أي إذا ما كنّا نحبّ تجنّب التعامل مع وحدتنا في العالم.

يراودني هذا الإحساسٌ. لذا كنت ربّما أضع نفسي مكانها لأنّنا نمرّ أحياناً، بغضّ النظر عمّا نفعله، بفتراتٍ نشعر فيها ضرورة أن نقدّم أمراً ما وأن نشارك الآخرين، لكنّ الناس لا يتفهّمون ذلك ويجيبون: «لكنّك ناجحٌ للغاية وتملك أموراً كثيرةً، ومالاً وفيراً وشهرةً عظيمةً». لا تكفي هذه الأمور في بعض الأحيان، والمشاركة أساس كلّ شيء.

يتكلّم الكتاب أيضاً على التقدّم في العمر: «بعد عمرٍ معيّن، نلبس قناعاً من الثقة واليقين. ومع الوقت، يعلق هذا القناع على وجهنا ولا نستطيع أن ننزعه». هل هذا جزءٌ من الرتابة والطقوس والملل التي تكتب عنها متعلّق بالزواج؟

ربّما الخوف من الرتابة. تذهب إلى الحفلات ويبدو الجميع سعيداً. يفقدني هذا الأمر صوابي. بالمناسبة، لا أذهب إلى الحفلات. لكن عندما أُجبَر على الذهاب وأرى الجميع سعداءً يبتسمون، أعلم أنّ ثمة نفاق في الأجواء. وعندما أذهب إلى حفلات المشاهير التي تعجّ بالممثلين والممثلات، دائماً ما أراهم يبتسمون واحدهم للآخر، لكنّهم يودّون في الواقع أن يفتكوا ببعضهم البعض.

غيرة وشجاعة

تشكّل الغيرة عاملاً محفّزاً مهماً في الكتاب.

قطعاً. العاقبة. العلاقة العابرة مختلفةٌ تمام الاختلاف عن علاقة زانيةٍ. يمكن أن يتفهّم الناس أو يخفوا أنّك مارست الجنس مع أحدهم. لكنّ الخيانة تكمن في الشغف، ومشاركة الشغف أمرٌ أكثر صعوبةً. تشعر حقاً بأنّك ضحية خيانة.

في كتابك، تكون البطلة غير راضية على الرغم من أنّها تملك كلّ شيءٍ، وذلك لأنّها لا تعيش حقيقتها. هل مررت بفترةٍ في حياتك لم تكن تعيش فيها حقيقتك، وكيف وجدت الوضوح والشجاعة لتعيشها؟

الجواب هو نعم، حصل ذلك في العام 1986. كنت أملك كلّ شيءٍ: المال، والزوجة والنجاح كملحّنٍ وكاتب أغانٍ، لكنّني لم أكن سعيداً. قرّرت في ما بعد أن أمشي من فرنسا إلى اسبانيا على طريق سانتياغو دي كومبوستيلا، وهو محجّةٌ كاثوليكية. في نهاية هذه الرحلة الروحية، قلت إنّه عليّ إمّا أن أتخلّى عن حلمي بأن أغدو كاتباً أو أكتب كتابي الأوّل (الحاج)، وهذا ما فعلته. لكن لم يكن الأمر سهلاً. عليك أن تختاري بين البهجة (وليس بالضرورة السعادة) ومواجهة التحديات التي تعترضك من جهة أو محاولة عيش حياةٍ مريحة وآمنة من جهةٍ أخرى. أمّا الخيار الثاني فأسوأ، لأنّك لا تستطيع الشعور بالأمان. لا شيء آمنٌ. يمكن أن تضربني صاعقةٌ وقد أموت. لذا لا يمكن لأحدٍ أن يكون بأمانٍ: لا تعلمين متى سوف تموتين. فمن الأفضل لك أن تختاري عذابَ ونشوةَ أن تعيشي حياةً تحقّقين فيها ذاتك.

كيف تعتقد أنّ الأحلام تخدمنا في الحياة؟ كيف ولماذا تستخدم أحلامك في كتبك؟

الأحلام هي ما يُبرّر الحياة. الحالمون أشخاصٌ غيّروا حقاً هذا العالم. أؤمن بالأحلام وقد تبعت حلمي الخاصّ. صحيحٌ أنّني دفعتُ ثمناً باهظاً في لحظةٍ معيّنة، لكنّني لم أحزن. أعتقد أنّ شخصاً لا تراوده الأحلام أشبه بشجرةٍ لا جذور لها. الأحلام، بالنسبة إليّ، خبزي اليومي.

تهيمن اليوم على السوق الرومانسية والقصص المثيرة، ويبدو أنّ الواقعية السحرية (خارج رواياتك) لم تعد قويةً كما كانت في الثمانينيات والتسعينيات. إلى أين برأيك يذهب هذا النوع الكتابي؟

صحيحٌ أنّنا فقدنا هذه الصلة بالواقعية السحرية، وذلك لأنّ الناشرين ظنّوا أنّ هذا النوع ليس صحيحاً من الناحية السياسية وأنّ الناس لن يقرؤوه. لا أتكلّم سوى نيابةً عن نفسي. هذه هي الطريقة التي أعبّر فيها عن نفسي. لا تتمحور الواقعية السحرية حول عدم توفير دليل على الأمور كافةً، فهذا هو الواقع في نهاية المطاف. المشاعر أقوى بأشواطٍ ممّا يدور من حولك وهي التي تسيّرك.

ما الذي يلهمك حتى تكتب؟ هل ثمة أيّ نصائح تسديها للكتّاب الشباب الجدد؟

ما يلهمني حتى أكتب هو الناس. أمضي سنتين ألتقي فيها الناس، وأمشي وأهيم على وجهي. أمّا في ما يخصّ الجزء الثاني، فلا أملك سوى نصيحةٍ يتيمة: اجلسوا واكتبوا. يريد الناس أن يكونوا كتّاباً من دون أن يكتبوا. لا تهتمّوا بما يفكّر الناس أو بانتقاداتهم. لا يعنيكم إن كان كتابكم سيُنشر أم لا. اجلسوا وحسب واكتبوا. ثمّ سوف تكتشفون عالماً كاملاً في داخلكم. عليكم أن تكتبوا لأن هذا هو الحلم الذي يراودكم. فاكتبوا إذاً والباقي يُزاد لكم.

ما الذي تقرؤه الآن؟

أقرأ راهناً «المجلّة الأخيرة» الذي يتناول فيه الكاتب مايكل هاستينغز موضوع مجلّة «نيوزويك».

ريشة بيضاء

أخبرنا عن عملية الكتابة الخاصّة بك. علمت أنّه عليك أن تجد ريشةً بيضاءَ قبل أن تباشر الكتابة؟

أجل. عندما كتبت كتابي الأوّل، ساورني الشك بشأن الكتابة أو عمل شيءٍ آخر. فقلت لنفسي: «إذا وجدت ريشةً بيضاء، سأكتب كتابي الأوّل». ومنذ ذلك الحين، ونظراً إلى أنّني أكتب مرّة كلّ سنتين، تراودني أفكارٌ لا تعدّ ولا تحصى. وكما أخبرتك عن «الزنا»، لم يكن كتاباً بادئ ذي بدءٍ، بل مجرّد مشاركةٍ. لكنّني اعتبرتها للحال فكرةً جيّدة. نعم، حين أرى ريشةً بيضاء، أباشر الكتابة.

ثمّ أروح أكتب من دون انقطاعٍ من البداية حتى النهاية، والأمر بالنسبة إليّ أنثويّ للغاية. فعندما أكتب، أكون امرأةً وأنجب طفلاً. لذا يجب أن يكون الأمر سريعاً. أمارس الحبّ، ثمّ أصير حاملاً وعليّ أن أنجب الطفل، وإلّا سوف أموت ويموت معي الصبي.

أكتب يومياً، ودائماً ما أؤجّل في البداية. ثمّ أجلس وأكتب أوّل جملة لليوم ولا أتناول الطعام، بل أكتفي بشرب القهوة. أسبوعان من الألم والضغط.

ماذا؟ تمضي أسبوعين مكتفياً بشرب القهوة؟

كلّا، أكون أساساً في نوعٍ من الغيبوبة. أكون الحروف. أكون المشاعر. أكون المدينة. لست نفسي بعد الآن. أكون أداةً أكبر من نفسي.

هل أنت إذاً شخصٌ فظيعٌ العيش معه؟

ربما. لكن يمكنك أن تتحمّليني لمدة أسبوعين مرّةً كلّ سنتين. ليس الأمر صعباً، إذ ثمة 100 أسبوعٍ أكون فيها شخصاً لطيفاً.

هل تباشر الكتابة ما إن تستيقظ في الصباح؟

أقول أوّلاً إنّني سأكتب ما إن أستيقظ، ثمّ أؤجّل وأؤجّل فيصير يراودني شعور رهيبٌ بالذنب وأشعر بأنّني لا أستحقّ أيّ شيءٍ. أقول بعد ذلك: "حسناً، لن أكتب اليوم”. ثمّ أكتب حتى لا أشعر بالذنب، وسوف أكتب الجملة الأولى. وما إن أمسك القلم حتى أروح أملأ الصفحات. عندما أكتب، أستيقظ عند الساعة 12 ظهراً لأنّني أستمرّ في الكتابة حتى الساعة الرابعة فجراً. أبقى على هذا المنوال لأسبوعين وحسب.

ثمّ عليّ طبعاً أن أجري التصحيحات وأعِدّ مسودة أخرى. عليّ أن أصحّح المسودة الثانية. لذلك، تحتوي المسودة الأولى على ثلثٍ عدد صفحاتٍ إضافية أكثر من المسودة النهائية، فأبدأ حينها بإزالة بعض الإضافات.

ما هي الكتب ومن هم الكتّاب الذين كان لهم التأثير الأكبر فيك؟

ثمة شخصان. أوّلهما خورخي لويس بورخيس. أمّا الشخص الذي ترك فيّ أبلغ أثرٍ، فكان هنري ميللر. عندما قرأت روايته "مدار السرطان”، قلت في نفسي إنّني يوماً ما سأكتب مثله.