العجز المالي قادم لا محالة إذا ما استمرت السياسة المالية الحكومية الحالية، أو تلك المقترحة من مستشار الحكومة المالي (صندوق النقد الدولي)، وكلاهما، بالمناسبة، يعد سياسة مالية منحازة اجتماعيا ضد أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة ولمصلحة كبار الأثرياء والقطاع الخاص الطفيلي، كما سبق أن بينّا في هذه الزاوية مرارا وتكرارا، فما البديل؟

Ad

البديل هو سياسات اقتصادية ومالية متوازنة وعادلة تخفف من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني من جهة، وتحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة؛ كي لا يقع ظلم اجتماعي على أصحاب الدخول المتوسطة والفقراء من جهة أخرى، فيُحمّلون نتائج عجز مالي لم يكونوا سببا في حدوثه، إذ لا سلطة لهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة المالية العامة للدولة، في حين تذهب أغلب الإيرادات العامة، كما هي الحال حاليا، إلى كبار الأثرياء والقطاع الخاص الطفيلي.

وفي هذا السياق من الممكن إقرار نظام ضريبي عادل (ضرائب تصاعدية على الدخل وصافي الأرباح) كبديل عن السياسات المالية الحالية المنحازة، حيث إن الضرائب المباشرة وغير المباشرة (مثل الضرائب على صافي الأرباح في البورصة والضرائب العقارية وضرائب الصفقات التجارية الضخمة) تعتبر مصدراً رئيساً للإيرادات العامة (تمويل الموازنة العامة للدولة) بشرط أن تكون ضرائب تصاعدية تبدأ جبايتها بعد دخل شهري محدد (أربعة آلاف دينار مثلاً)، بحيث يُستثنى أصحاب الدخول المتدنية، وصافي أرباح معينة على الشركات الخاصة الكبرى سواء المحلية أو الأجنبية، ثم تتصاعد تدريجياً بحسب الدخل والأرباح الصافية (كلما زاد الدخل وصافي الأرباح زادت الضريبة والعكس صحيح)، بحيث ترتكز على قاعدة عامة عادلة؛ وهي أن من يستفيد أكثر من الإنفاق العام تكون نسبة مساهمته أكثر من غيره في تمويل الموازنة العامة للدولة.

وبالطبع فإن النظام الضريبي المتكامل والعادل له شروط سبق أن تطرقنا لها في مقال سابق، وهي باختصار شديد:

1- "لا ضرائب من دون تمثيل" No  Taxation without Representation، والمقصود بالتمثيل هنا المشاركة السياسية في سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شؤون الدولة والمجتمع.

2- نظام حكم ديمقراطي صالح ورشيد، حيث إنه لا عدالة، ولا مساواة، ولا تنمية حقيقية مع الفساد السياسي.

3- أن تكون العدالة الاجتماعية أساس النظام الضريبي كما نصت المادة (24) من الدستور "العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة".

أخيراً وليس آخراً، فإن النظام الضريبي العادل والمتطور يحقق العدالة الاجتماعية في تحمل تبعات العجز المالي المتوقع قريبا، بدلاً من الاستمرار في تبني سياسات اقتصادية ومالية منحازة اجتماعيا ضد الشرائح الاجتماعية المتوسطة والطبقة الفقيرة.