يكون العطاء أسهل من التلقي دوماً لأن هذا السلوك يعزز شعورنا بالقوة. قد تلاحظ مثلاً أنك لا تجد أي صعوبة في مساعدة شخص يطلب منك خدمة، لا سيما إذا كان مقرباً منك. لكنّ فعل العكس أصعب بكثير. لذا يجب أن نتعلم جميعاً أن نطلب المساعدة عند الحاجة لأن هذه النزعة لا تنشأ تلقائياً. يمكن الانطلاق من المبدأ القائل إن طلب المساعدة هو أشبه بتبادل إيجابي وأساسي في العلاقة مع الآخرين.إذا عرض عليك الآخرون المساعدة، فهم يقومون بذلك عن حسن نية وبهدف إسعادك وليس مقابل غاية مشبوهة! في حياتنا عموماً، يجب أن ندرك أننا لا نستطيع أن نواجه كل شيء وحدنا. ما الذي يدفعنا إذاً إلى تحمّل الظروف الصعبة مع أننا نستطيع تبسيط الوضع من خلال قبول مساعدة المقربين منا؟ نحن لا نستطيع التعامل وحدنا مع جميع المواقف. لنقبل إذاً عروض المحيطين بنا لأنهم يريدون راحتنا ونجاحنا. يمكن أن نعاملهم بالمثل في مرحلة لاحقة! تعبير عن المعاناةقد يستفيد الجميع من التعبير عن مشاعرهم أمام أشخاص موثوقين في أي لحظة من حياتهم. يمكن تذكّر تجربة مؤلمة ومشاركتها مع شخص مقرّب أو حتى البكاء إذا أردنا ذلك... هذه الخطوات هي جزء من عملية طبيعية تعزز الشعور بالتحسن.إذا كنا نعاني من الاكتئاب مثلاً، فلن نبدأ بالإفصاح عن مشاعرنا وعواطفنا بالضرورة. ينتج هذا المرض شعوراً بالذنب وإحساساً بالفشل وبعدم جدوى بذل أي جهد لتغيير الوضع. لذا نشعر بأن أي مساعدة خارجية لن تكون نافعة. لكنّ هذا الانطباع خاطئ طبعاً. ثمة علاجات فاعلة للاكتئاب ويمكن أن يلعب المحيط دوراً مؤثراً تزامناً مع أخذ تلك العلاجات.لهذا السبب، يجب أن نسعى قدر الإمكان، حتى لو بدا الأمر صعباً أحياناً، إلى تقبّل مساعدة الغير والتعبير عن أحاسيسنا والوثوق بالأشخاص الذين يحبوننا، وذلك من خلال طرد الأفكار السلبية كأن نظن أن هؤلاء الأشخاص يتعاملون معنا وكأننا أطفال أو مرضى أو أنهم يشعرون بأنهم أعلى مستوى منا. بعد قبول المساعدة، يجب ألا يتراجع تقديرنا لنفسنا وألا نخاف من أن يحكم علينا المقربون منا أو الأطباء الذين نستشيرهم.امتنان أم دين؟عموماً، قد نظن أننا أقل مستوى من الشخص الذي يقدم لنا المساعدة، فنشعر بالعجز حين نشكره ونصبح مدينين له. لذا قد يشعر البعض بالراحة حين يردّ الجميل لذلك الشخص في أسرع وقت ممكن.لقد استفدنا جميعاً في أحد الأيام من مساعدة ودعم شخص آخر. قد يكون هذا الأخير أعطانا المال حين كنا نحتاج إليه، أو ربما وفر لنا المسكن خلال مرحلة معينة من حياتنا، أو استعمل نفوذه لتحسين ظروف عملنا أو السماح لنا باقتناء ما نريده. أو ربما ساعدنا أحد الأشخاص على تحسين مستوانا من خلال استثمار مبالغ كبيرة من المال على مشروع خاص بنا أو أنقذنا من خطر شديد أو انهيار تام. قد يكون ذلك الشخص ساعدنا عن حسن نية أو من باب الواجب لكنه أفادنا في مطلق الأحوال.بعد كل ما حصل، ما هي الطريقة التي يجب أن نتعامل بها معه؟ هل نشعر بالامتنان تجاهه أم نصبح مدينين له؟ لتحديد الطريقة المثلى، يجب أن نحاول تعريف هذين المفهومين ونرصد الاختلافات بينهما.الدينالدين يحمل معنى {الواجب}. هو يعني دفع بدل مقابل خدمة معينة من باب الواجب. نحن نعتبر نفسنا {مدينين} لشخص محدد حين نضطر إلى إسداء خدمة لذلك الشخص عندما يطلب مساعدتنا بسبب الخدمة التي أسداها لنا سابقاً أو المساعدة التي لا يزال يقدمها. قد نقابل مثلاً أبناءً مدينين بشدة لأهاليهم لدرجة أنهم لا يستطيعون أن يرفضوا لهم طلباً لأنهم قدموا الكثير لهم. باختصار، لا يشتق {سداد الدين} من الرغبة في فعل ذلك بل يحصل من باب الواجب.الامتنانيعني الامتنان في المقام الأول عدم نكران الجميل عبر إيذاء أو إهمال الشخص الذي ساعدنا في الماضي. لكن على عكس الدين، لا يكون الامتنان جزءاً من الواجبات بل شعوراً واعياً تجاه شخص ساعدنا يوماً. يرتكز الامتنان في الأساس على شعور الحب. قد يشعر صديق بالامتنان تجاه صديقه مثلاً لأنه قدّم له المأوى حين لم يجد مكاناً آخر يقيم فيه. يمكن أن يقدم هذا الصديق بدوره خدمة للطر ف الآخر بناءً على امتنانه له ولأنه يرغب في فعل ذلك.باختصار، يجب ألا يشعر أحد بأنه مدين لشخص ساعده عن حسن نية. لكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون ممتناً له ويجيد التعبير عن مشاعره تجاهه.حدود {الأنا}{الأنا} التي تتخذ أبعاداً مبالغاً فيها تصبح من أخطر الاضطرابات النفسية التي تعيق سعينا إلى بلوغ شيء من الموضوعية والتوازن في حياتنا اليومية، فهي قد تتمثل بغطرسة في غير محلّها وثقة مفرطة بالنفس وعدم التشكيك بالذات لأي سبب!{الأنا} التي تنتج تفاخراً شائباً قد تؤدي إلى رفض نقاط الضعف الشخصية والامتناع عن طلب المساعدة من الأشخاص الموجودين في محيطنا، على اعتبار أننا سنصبح خاضعين لهم أو لا نريد أن يشاركنا أحد النجاح. إنه موقف سخيف لأننا نعيش في عالم مبني على التفاعلات بين البشر ولأن بعض العوامل، مثل المشاركة والتعاون والتقارب الفكري، يعزز تحقيق السعادة.يمكن تفسير رفض اللجوء إلى الآخر للاستفادة من مساعدة معينة من خلال الرغبة في تحقيق النجاح وحدنا مع أن هذا الموقف يزيد احتمال الفشل. عملياً، يكون السعي إلى بلوغ الأهداف أكثر إغناءً من النجاح نفسه لكن تأتي {الأنا} لتقنعنا بعكس ذلك طبعاً. تطرح هذه {الأنا} مفارقات متعددة لكن يمكن تجنبها من خلال تقييم ذاتي بسيط لكن حقيقي.الاسترخاء وتقبّل المساعدةيظن كثيرون أن وقف النضال وتقبّل المساعدة من الآخرين يعني الاعتراف بالعجز وبالحاجة إلى الغير. في المجتمع المعاصر الذي يركز على الاستقلالية والنزعة الفردية، يجب أن يفقد الفرد كل أمل أو يوشك على الانهيار التام قبل أن يطلب المساعدة. لكل شخص قدرته الخاصة على التحمل، لذا يحرز البعض التقدم بوتيرة أسرع من غيرهم.حين نتوقف عن محاربة الزمن ونسترخي ونتقبل الوضع الذي نعيشه، نكون قد خطونا الخطوة الأولى لحل المشكلة. في هذه الحالة، يصبح تلقي المساعدة ممكناً ويمكن أن نتقبّلها بكثيرٍ من الامتنان بدل التفاخر. بفضل عوامل البساطة والصدق والتواضع، يمكن أن نحتكّ بالواقع: إنه عامل محوري لإحراز التقدم المنشود.باختصار، يصعب أن نطلب المساعدة من الآخرين لثلاثة أسباب:• الشعور بأننا مدينون للآخرين.• الخوف من الرفض.• الشعور بأننا أدنى مستوى.إعطاء الآخر حرية الرفضيرفض كثيرون طلب المساعدة لأنه مؤشر ضعف بحسب رأيهم، مع أنّ العكس صحيح! يثبت هذا الطلب وجود هامش من الاستقلالية والحرية لدى الفرد المعني. لذا يجب إقامة احتكاك مباشر مع الشخص الذي سنطلب منه المساعدة، ويجب صياغة الطلب بطريقة متّزنة وهادئة. يمكن استعمال عبارات مثل: {أريد أن أطلب منك شيئاً. من حقك أن تقبل أو ترفض}. لا بد من إعطاء الطرف الآخر حرية رفض العرض أو قبوله لأن أسوأ ما يمكن أن يحصل هو ألا يقدم الشخص المساعدة من كل قلبه. يعني ذلك أن نطلب من الآخر بدل أن نفرض ذاتنا عليه، وسنثبت بذلك أننا نستطيع تقبّل أي جواب سلبي. لذا تبرز أهمية اختيار الشخص المناسب لطلب المساعدة منه. لتجنب تجدد الأفكار القديمة عن تراجع تقدير الذات والخوف من أحكام الآخرين، يجب أن نختار الأشخاص الذين يهتمون بنا بصدق.
توابل - علاقات
طلب المساعدة... مهارة يمكن تعلّمها
06-05-2015