بينما كانت الولايات المتحدة منشغلة في إشعال الحرائق في الشرق الأوسط،  وروسيا تتصرف بصورة سيئة وبدرجة أقل صعود الصين على الساحة الدولية، تراجعت العلاقات الأميركية مع الهند على قائمة الأولويات الدبلوماسية، ومن المحتمل أن تصبح الهند الضخمة والمؤثرة في العقود المقبلة الشريك الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة في آسيا.

Ad

تجمهر 19000 متفرج في الأسبوع الماضي للمشاركة في مهرجان تأييد لرئيس وزراء الهند الجديد، ناريندرا مودي، في حديقة ماديسون سكوير في نيويورك، وتم وضع شاشات إضافية في تايمز سكوير، ورداً على هتافات أنصاره وعد رئيس الوزراء الهندي بأن "يصنع هند أحلامهم".

وكان مودي وهو هندوسي نجح في تحقيق نمو اقتصادي لولاية غوجارات مسقط رأسه قد حقق نجاحاً كاسحاً في انتخابات شهر مايو الماضي، وأبرزت زيارته الرسمية الأولى إلى الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي بالنسبة الى الهنود في شتى أنحاء العالم أن بلادهم قد عادت الى مسرح العالم، وبعد عدة سنوات مخيبة للآمال من التباطؤ الاقتصادي والازدحام في دلهي يستطيع الهنود التفاخر بهويتهم من جديد، وتتمحور آمالهم الآن حول رئيس الوزراء الجديد وفريقه الحكومي... لنأمل في أن تعود الهند الى قائمة الأولويات الأميركية أيضاً.

ما سر أهمية الهند؟ هي، في المقام الأول، دولة كبيرة تحقق نمواً، وقبل 16 سنة فقط اعتقد العديد من الخبراء أنها ستتفوق على الصين لتصبح الدولة الأولى في عدد السكان في العالم عند 1.5 مليار نسمة، ومن المحتمل أن تصبح الصين بحلول سنة 2030 أكبر اقتصاد في العالم عبر تكافؤ شراء الطاقة، وتليها الولايات المتحدة ثم الهند.

 دور الطبقة المتوسطة

وعلى الرغم من ذلك فإن من المتوقع أن يتجاوز عدد الطبقة المتوسطة في الهند عددها في الولايات المتحدة والصين، وذلك بسبب النمو السريع في عدد السكان، كما أن الهند سوف تشكل في سنة 2030 نسبة تصل إلى 23 في المئة من إنفاق الطبقة المتوسطة على صعيد عالمي (نحو 13 تريليون دولار في السنة)، وسوف تحاول الشركات الأميركية اجتذاب العملاء الهنود، وإذا كان في وسع حكومتينا إزالة الحواجز التجارية والاستثمارية فسوف نتمكن من بيع تلك الطبقة المتوسطة الجديدة والضخمة شتى أنواع المنتجات من الحواسيب إلى السيارات والخدمات القانونية، وما هو أكثر من ذلك أيضاً.

سوف تتصدر الصين الطلب المتصاعد على الطاقة في آسيا خلال العقد الحالي، ولكن الهند– وبسبب النمو السريع في عدد سكانها– ستتخطاها في سنوات ما قبل 2030، وعلى الرغم من كون الصين في الوقت الراهن أكثر مصدر انبعاث للكربون في العالم فإن الولايات المتحدة والهند في موقع قريب منها، ووفقاً لبعض الحسابات فإن الهند قد تتجاوز الصين في سنة 2030 كأكبر مصدر للتلوث في العالم.

العلاقات الأميركية – الهندية

خلال السنوات القليلة الماضية تراجعت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند عن أجندة الذروة نتيجة وجود أولويات ملحة في واشنطن وعجز دلهي عن تحقيق إصلاحات رئيسية، مثل تحسين البنية التحتية وتقنين نظامها الضريبي وتسهيل عمليات الاستثمار بالنسبة الى الأجانب، وتعتبر زيارة رئيس الوزراء الهندي للولايات المتحدة فرصة مهمة من أجل تحقيق انطلاقة جديدة في علاقات البلدين.

وتمثل العلاقات الاقتصادية الثنائية مع الهند الجانب الأكثر أهمية على جدول الأعمال الذي يتعين على إدارة أوباما وضعه على المسار الصحيح، وقد تم انتخاب مودي بغية إحياء وإنعاش الاقتصاد الهندي، وإذا تمكن الرئيس الأميركي من مساعدته على تحقيق هذا الهدف فسوف يقيم علاقة متينة مع شريك قوي، وضمان احتواء طويل الأجل لتوسيع الصين لقوتها في المنطقة.

حقق التبادل التجاري السنوي بين الولايات المتحدة والهند قفزة كبيرة، وارتفع من 19 مليار دولار في سنة 2000 إلى 97 مليار دولار اليوم، ولكن ذلك يظل ضئيلاً مقارنة مع التجارة الثنائية بين واشنطن وبكين التي تقارب الـ600 مليار دولار الآن.

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند خلافات حادة حول التجارة، وفي سنة 2008 انهارت المفاوضات التجارية الدولية في العاصمة القطرية الدوحة نتيجة عدم تمكن واشنطن ودلهي من الاتفاق على القوانين التي تحكم الجوانب الزراعية، وتقدم كل طرف بدعاوى ضد الطرف الآخر أمام منظمة التجارة الدولية.

ونتيجة لذلك فإن الهند ليست طرفاً في الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو اتفاق تجاري سعت الولايات المتحدة إلى تعزيزه بقوة، ووصفه الرئيس أوباما على أنه "النموذج ليس فقط بالنسبة إلى آسيا– المحيط الهادئ بل لاتفاقيات تجارية في المستقبل". وتهدد هذه الخلافات التجارية بتقويض التقدم في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

معاهدة استثمار مشتركة

في وسع الجانبين تغيير هذا المسار من خلال وضع موعد نهائي لإتمام معاهدة استثمار ثنائية في سنة 2015، وكانت المفاوضات حول هذه المسألة تأخرت لسنوات عديدة، مع العلم أن مثل هذه الخطوة الصغيرة بصورة نسبية على جدول الأعمال التجاري سوف تسهم في تجديد ثقة المستثمرين الأميركيين بالنسبة الى الهند.

وقد سبق أن دعا رئيس وزراء الهند مودي الشركات الأميركية إلى القيام باستثمارات كبيرة في بلاده– وجلب التقنية الأميركية المتقدمة– وبناء البنية التحتية والقطاعات الرئيسية الأخرى في الهند.

ومن أجل إقناع القطاع الخاص في الولايات المتحدة على توظيف رأس المال والتقنية والممارسات التجارية الأفضل في الهند سوف يتعين على مودي القيام بالعديد من الإصلاحات الضرورية:

أولاً، عليه العمل من أجل تبسيط الإجراءات البيروقراطية الهائلة في بلاده، وتحاول حكومته القيام بذلك ولكن من المبكر جداً رؤية نتائج رئيسية في هذا الصدد.

ثانيا، يتعين على رئيس الوزراء الهندي توضيح– وتحرير– القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية في قطاعات اقتصادية رئيسية مثل أعمال التجزئة والبناء، كما سبق أن تحقق في ميادين التأمين والدفاع.

ثالثاً، عليه ضمان عدالة النظام الضريبي وعدم مراجعة العقود التي تم توقيعها من قبل.

علاقات المستقبل

إذا تمكن مودي من النجاح في معالجة هذه القضايا الداخلية وكان في وسع الولايات المتحدة والهند تطبيع علاقاتهما التجارية سوف يكون في الإمكان تحقيق تقدم مهم، كما أن القطاع الأميركي الخاص الذي تجذبه طفرة الطبقة المتوسطة سوف يعمد على الأرجح إلى الاستثمار والتجارة بقدر أكبر، ويسهم بذلك في مساعدة الهند على تلبية أهدافها الطموحة في النمو وتحقيقها، وسوف تقوم الشركات الأميركية، بدورها في دعم قضية الهند في واشنطن مما يفضي إلى شراكة سياسية أكثر قوة.

ثم إن الهند المزدهرة– وبشراكة مع الولايات المتحدة– سوف تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الخطيرة التي تمثلها الصين الصاعدة، إضافة الى عدم الاستقرار في أفغانستان وباكستان ومسألة الاحتباس الحراري وغير ذلك من القضايا التي تتجاوز الحدود القومية.

Anja Manuel