يسعى رجل وزوجته إلى العثور على علاج لاضطراب نوم جيني مميت قبل أن تستشري أعراضه.

يُدعى هذا الداء الأرق العائلي المميت، وهو مرض جيني نادر جداً يسبب حالة من الأرق تزداد سوءاً بمرور الوقت. وسرعان ما تتحوَّل الصعوبة في النوم إلى أرق كامل يؤدي إلى تدهور فكري وجسدي سريع والموت في النهاية في غضون سنة أو أقل.

Ad

تقول سونيا فالابيه: {تشكل هذه طريقة موت سريعة وعنيفة}. قبل أربع سنوات، راحت تراقب بيأس بينما تراجعت أمها إلى حالة من الضياع عالقة في مكان ما بين اليقظة والنوم، قبل أن تموت في سن الثانية والخمسين.

تخبر فالابيه: {كانت واعية كفاية لتدرك أن أمراً سيئاً كان يحدث لها}. في تلك الفترة، ما كانت فالابيه أو الأطباء (الذين عجزوا عن تشخيص حالتها) يعرفون تفاصيل كثيرة عن هذا المرض.

قبيل موتها بأشهر، بدت والدتها، على حد قولها، سليمة من أي علة، وكانت تساعد فالابيه ومينيكل في التخطيط لزفافهما. ولكن بعيد الزفاف، بدأت فالابيه تلاحظ أن أمها {تعاني خطباً ما. كانت طريقة موتها سريعة وعنيفة جداً}. تتذكر: {في البداية، كانت أعراض والدتي غامضة: اضطرابات في الكلام، مشاكل في الذاكرة، وأخطاء في الحكم والتقدير، حتى إنها بدأت تخسر الوزن من دون أن تحاول}.

خلال الأشهر القليلة التالية، تقول فالابيه إن حالة أمها تراجعت بسرعة: {ما عادت تستطيع السير أو الكلام أو تناول الطعام. كذلك صارت تعاني جنون الارتياب، وحالة من الخرف القوي. اضطر الأطباء بعد ذلك إلى وصلها إلى أجهزة الإنعاش وماتت في غضون أسابيع}.

ظلّ داء والدة فالابيه لغزاً طوال أشهر بعد وفاتها إلى أن أظهرت قطعة من نسيج دماغها أنها عانت طفرة في جينة تُدعى PRNP يدرك العلماء أنها تسبب الأرق العائلي المميت. كذلك أكدت نتائج التشريح أن حالة الأرق هذه هي السبب المحتمل وراء موتها.

تقول فالابيه: {لم يشتبه أحد مطلقاً بالأرق العائلي المميت لأن ما من إشارة إلى هذا المرض العصبي التنكسي في عائلتها}. ثمة 28 عائلة حول العالم تحمل جينة هذا الأرق في سلالتها. ويعاني معظمها حالات وفاة مبكرة غير مبررة.

حالة عائلية

الأرق العائلي المميت أحد أمراض بريون، حالة عائلية نادرة من الاضطرابات العصبية التنكسية التي تشمل أيضاً مرض جنون البقر. في حالة مَن يعانون هذا الأرق أو أمراضاً مماثلة، تدفع بروتينات متبدلة تُدعى بريونات البروتينات في الدماغ إلى الانطواء بشكل غير طبيعي، مدمرة خلايا الدماغ ومحدثة ثقوباً في الدماغ تشبه الإسفنجة. ولكن بخلاف جنون البقر، الذي يصيب الإنسان عند تناوله لحم بقر ملوثاً، يُعتبر الأرق العائلي المميت وراثياً. ويواجه أولاد أم أو أب يعاني هذا الأرق فرصة أو اثنتين لوراثة جينة PRNP.

بعد أشهر من خسارتها أمها بعد صراع مع هذا الداء، قررت فالابيه أن تخضع لفحص. تخبر: {عندما علمت أنني معرضة لهذا الخطر، ما عاد بإمكاني تجاهل ذلك}.

تحمل هي أيضاً هذه الجينة، وستطور حالتها على الأرجح، من ثم تؤدي إلى موتها، إن لم يطوَّر علاج يبطئ أو يوقف تقدم المرض قريباً. يبلغ متوسط عمر بداية أعراض الأرق العائلي المميت الخمسين، وأصبحت فالابيه اليوم في الثلاثين من عمرها. توضح: {لم تتوافر لنا أي فرصة لمواجهة هذا المرض. وبما أن والدتي ماتت من دون تشخيص حالتها، بدا لنا أن المرض سيقول كلمته الأخيرة}. وبغية الاستعداد لما ينتظرها، بدأت هي وزوجها إجراء الأبحاث بشأن هذه الحالة.

ولكن فيما بدأ الزوجان يعززان معرفتهما عن الأرق العائلي المميت وغيره من أمراض بريون، لمعت أمامهما بارقة أمل. كان العلماء يبحثون عن علاج، حسبما اكتشفا، ما عنى أن من الممكن أن تحظى فالابيه بفرصة لتبدل مصيرها.

يقول مينيكل: {قرأنا كل ما توافر لنا عنه، من ويكيبيديا إلى الأبحاث العلمية. ألححنا على أصدقائنا العلماء. سهرنا الليالي ونحن نناقش ما تعلمناه عن هذا المرض خلال النهار. ما زال البحث متواصلاً، وقد توصل العلماء إلى معلومات واسعة عن البريونات أكثر مما توقعنا أنا وسونيا}.

بدأت فالابيه، محامية متدرجة في جامعة هارفارد، تشارك في صفوف علمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وسرعان ما تركت عملها في مجال الاستشارات القانونية وعملت في مختبر في مركز الأبحاث الإنسانية الوراثية في مستشفى ماساتشوستس العام. وحذا مينيكل حذوها، علماً أنه كان يعمل في مجال التخطيط المدني وقد تخرج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. فترك عمله كمهندس برامج إلكترونية وعمل في القسم عينه في مستشفى ماساتشوستس العام، محللاً البيانات الجينية لأناس يعانون مرض هنتنغتون. في شهر سبتمبر عام 2014، شارك الزوجان في برنامج للدراسات العليا في العلوم الحيوية والحيوية الطبية في كلية الطب في هارفارد.

أبحاث

يخبر مينيكل: {بغية تعزيز التقدم في هذا المجال، اتضح لنا أن علينا أن نبذل قصارنا جهدنا وأن ننكب على الأبحاث لنحقق التقدم المرجو. لا يحتوي اليوم ساعات كافية للعمل دواماً كاملاً ومن ثم العودة إلى المنزل لدراسة أمراض بريون كل الليل}.

تضيف فالابيه: {في البداية، سألنا كثيرون: هل أنتما واثقان من أنكما تريدان تبديل عملكما؟ هل أنتما واثقان من أنكما تريدان التفكير في هذا المرض طوال الوقت؟ عندما اتخذنا من العلم وظيفة يومية، اتضح لنا أن التفكير في هذا المرض على المستوى الجزيئي أو مستوى الأبحاث مختلف تماماً عن التفكير في الموت على مدار الساعة}.

التقى جويل واتس، بروفسور مساعد متخصص في الكيمياء الحيوية يشرف على مختبر أبحاث في مجال أمراض البريون في جامعة تورونتو، الزوجين في عام 2012 في مؤتمر لأبحاث بريون. يقول إن قصتهما تشكل حافزاً قوياً.

يتابع موضحاً: {ندرس الجزيئات والفئران، ولا يحظى كثيرون منا بفرصة التعامل مع مرضى أو مرضى محتملين، كما في حالة سونيا. كعلماء، نتجاهل أحياناً الصورة الكبيرة. نجح الزوجان في حشد العلماء في هذا المجال للعمل معاً. يشكل مرض الأرق العائلي المميت مأساة كبيرة بالنسبة إلى سونيا وإريك. لكن مواجهتهما هذا المرض تعود بالتأكيد بفائدة كبيرة على أبحاث البريون}.

قدم مينيكل مساهمة كبيرة في مجال المنشورات العلمية بشأن مرض بريون: طوَّر طريقة محوسبة دحضت الفكرة الشائعة عن أن كل جيل جديد في العائلة التي تعاني أحد أمراض بريون الجينية يمرض قبل سبع إلى 14 سنة من الجيل الي سبقه (تُعتبر هذه الظاهرة التي تُدعى {التوقع} شائعة في الاضطرابات الجينية الأخرى). نُشر هذا التحليل في المجلة الأميركية للوراثة البشرية.

يقول مينيكل: {لعله لم يكن سؤال أبحاث ملحاً لمعظم العلماء، إلا أنه شكل اكتشافاً مهماً ومريحاً بصراحة بالنسبة إلينا}.

لكنَّ الزوجين يبدوان أكثر اهتماماً في الأبحاث التي قد تؤدي إلى تطوير علاجات جديدة قد تنقذ حياة فالابيه.

{فاعل جداً}

في عام 2013، نجح الزوجان، من خلال {اتحاد بريون} (منظمة أبحاث أسسها مينيكل وفالابيه)، في جمع الأموال لدراسة تأثيرات مركب يعيق نشاط بريون في الفئران، مؤخراً بالتالي بداية مرض بريون الجيني.

يذكر مينيكل: {لا يمكننا أن نصب اهتمامنا كله على فكرة واحدة. إن لم تفلح، فعلينا الانتقال إلى أخرى}. يضيف: {نريد أن نعرف مدى فاعلية هذا المركب في محاربة أمراض بريون الجينية في حالة الإنسان. وإن تبين أن الجواب {فاعل جداً}، فنأمل بأن تسرع البيانات من دراستنا تقدم هذا المركب}.

لكن مينيكل وفالابيه لا يصبان انتباههما على علاج محتمل واحد. لذلك يقومان بزيارات دورية تدوم شهراً إلى مختبرات أبحاث بريون في مختبرات جبال روكي في هاميلتون بمونتانا والمستشفى الجامعي في زيورخ بسويسرا، حيث يعملان كباحثين ضيفين يسعيان إلى اكتشاف مقاربات جديدة تهدف إلى علاج أمراض بريون، من الأدوية والعلاجات الجينية إلى طرق أفضل لمراقبة فاعلية العلاجات في المرضى.

توضح فالابيه: {نصبّ اهتمامنا على العلاجات كافة، وخصوصاً إن كانت واعدة. لكننا نود أن نحرص على أن يشمل هذا السباق عدداً من الأحصنة الفائزة. لا يمكننا أن نصبَّ اهتمامنا على فكرة واحدة. فإن لم تنجح، فعلينا المضي قدماً}.

يقول واتس في جامعة تورنتو إن {تصميم ومثابرة أناس مثل إريك وسونيا سيؤديان على الأرجح إلى علاج للأرق العائلي المميت}. فكما هي الحال مع معظم الأمراض المميتة، {لا تسعى شركات الأدوية الكبرى إلى الاستثمار في مرض يؤثر في عدد قليل من الناس}، وفق واتس.

رغم ذلك، يدرك مينيكل وفالابيه أن التقدم يعتمد على استعداد العلماء لتشاطر البيانات وأساليب العلاج بحرية. لذلك حرصا على بناء شراكات بين المختبرات الحكومية، شركات القطاع الخاص، المستشفيات، والجامعات في الولايات المتحدة وخارجها. كذلك يعقدون باستمرار محاضرات أمام المئات في اللقاءات الطبية الكبرى، مشجعين العلماء من مختلف المجالات والاختصاصات، المرضى، الناشطين، وصانعي السياسية للانضمام إليهم في سعيهم.

تقول فالابيه: {من الممكن التوصل إلى علاج خلال السنوات العشر إلى العشرين المقبلة}. وتضيف: {يتطلَّب التوصل إلى علاج لأمراض البريونات مساهمة كثيرين: علماء من شتى الاختصاصات يبنون على أكتاف مَن سبقونا، مؤسسون تقليديون وغير تقليديين، أطباء يسهمون في تحديد المرضى ويطورون أساليب تشخيص أفضل وطرقاً لقياس تقدم المرض. وقد يسهمون ذات يوم في تطوير سياسة للحصول على موافقة سريعة على علاج ناجح}.

في هذه الأثناء، تتمسَّك فالابيه بأمل التوصل إلى إنجاز كبير خلال السنوات المقبلة قبل ظهور الأعراض. توضح: {من الممكن التوصل إلى علاج خلال السنوات العشر إلى العشرين المقبلة. ولكن يمكننا في الوقت الراهن القول إن  تجارب مماثلة، صدفاً مفيدة، أو لقاءات مهمة قد تؤدي إلى مشروع يفضي إلى حل}.

تختم فالابيه: {تتطور قصتنا يوماً بيوم. ومع أننا متفائلون، فإننا لا نملك أدنى فكرة عن نهايتها}.